يومًا ما حينما تهدأ انفعالات اللحظة، سيسجل أحدهم في كتاب التاريخ المدرسي أن من أهم أسباب قيام انقلاب/ثورة 30 يونيو ومفجرها، هو الرئيس محمد مرسي يليه خيرت بيه الشاطر، فبحنكة يُحسد عليها استطاع خيرت بيه والرئيس مرسي الذي لا يقبل الضيم اكتساب عداوة جميع الفصائل السياسية وأجهزة الدولة، بل ولم يختر من كل من على الساحة سوى أكثرهم حماقة وانحرافًا خارج مسار التاريخ، من جماعات إسلامية ذات تاريخ عريق في العنف والغباء.
مشهد قراءة بيان عزل مرسي لا يزال حاضرًا، ويومًا ما يمكن إعادة تمثيله في عمل تليفزيوني على طريقة فيلم «شادر السمك» حينما يجتمع «معلمين» الشادر ويتحالفون جميعًا على قتل المعلم الذي أراد فرض سيطرته على الشادر كله. لا شيء جمع كل هؤلاء من أزهر لكنيسة لجيش لقضاء وحتى سلفيين سوى العداء وكراهية الإخوان. أي «هري» آخر من نوعية أن تحالف 30 يونيو من أجل دولة مدنية حديثة وديمقراطية شعبية واستكمال لثورة الحرية والكرامة هو كذب وخداع، الجميع مضطر لتمثيله، لأن هذه هي طبيعة النظام المصري القائم على النفاق والظاهرية والادعاء، كما يقول مستشار السيد رئيس الجمهورية في كتابه الصادر مؤخرًا تحت عنوان «حجر رشيد».
تحالف 30 يونيو قائم حتى الآن لا لشيء إلا بسبب استمرار الإخوان في غيّهم وفي التحالف مع أكثر تيارات مشروع الإسلام السلطوي انفصالاً عن الواقع وحركة التاريخ من «المصريين» وحتى أنفار جماعات الجهاد. في اللحظة التي يقرر فيها الإخوان التحالف أو المشاركة في المسرحية السياسية سوف ينهار تحالف 30 يونيو. وأكثر من قطيع داخل تحالف 30 يونيو يتمنى التنسيق معهم.
لكن الضريبة التي يحتاج الإخوان لدفعها للدخول في شبكة التحالف والاستمرار في المشهد السياسي باهظة، حيث تتطلب تغيير الوجوه التي تصدرت المشهد طوال الفترة الماضية وتصدير وجوه جديدة والاعتراف بأخطاء تم ارتكابها، وبأمر واقع حدث، وهو ما لن يحدث، لأن الاعتراف بالخطأ ضد المنهج الإخواني، فهم الرجال الذين يتبعون المنهج الصحيح ولا يمكن أن يكون المنهج أو رجاله على خطأ، كما أن القيادات الحالية لن تترك مواقعها مهما كان الثمن.
لهذا، فنقاط الخلاف داخل تحالف يونيو لا تتعلق قط بسبل إدارة الحكومة أو موقف دولتهم المدنية المنشودة من حرية التعبير وإعلاء القيم المدنية، بل على العكس جميعهم يهرولون لطلب بركة الوسطية من الأزهر والكنيسة، مستغلين الدين كما صنع من قبلهم، وجميعهم باستثناء فئة قليلة مستعدون لوضع رأسهم تحت البيادة، ويدّعون أنهم سياسيون، لكنْ مستعدون لتسليم المجال السياسي بالحب والرضا لأقرب عسكري يظهر لهم!.
يخوّن أعضاء التحالف بعضهم البعض بالمزايدة على مواقفهم من الإخوان لا مواقفهم من الدولة المدنية، لا أحد يتهم الآخر بالخيانة، لأنه يتحرك ضد مفهوم المدنية ويرغب في رئيس عسكري، لكن تصبح خائنًا إذا قلت إن الدولة المدنية لا يقتل فيها العسكري المدني دون حساب.
لأجل هذا، فمحاولة الحفاظ على هذا التحالف شبه مستحيلة، وسينهار عاجلاً أو آجلاً، وربما النقطة الأقرب هي مع إقرار الدستور الجديد، غير أن إنشاء تحالفات جديدة يتطلب شجاعة في طرح أسئلة وتقديم تصورات جذرية عن شكل «الخرابة» التي نود أن نعيش فيها. الاستمرار في ترديد خرافات شيوخ الناصرية حول الدولة المركزية الواحدة، يحميها درع العسكري والقائد الذي يذكرهم بعبد الناصر، هو أشبه بتصديق هلاوس الترامادول، وربما يشعر العجائز من مثقفين وإعلاميين براحة في اختيار التسليم لرجل عسكري يركب الدبابة ويحمل البندقية، لكن الشباب الذي دخل الجيش أو مر بجوار كمين له أو المسجون عسكريًا لن تنطلي عليهم هذه الأكاذيب ولن يرضوا بفصيل يحاول فرض تصوراته عن الهوية الإسلامية عليهم أو الهوية المدنية ذات اللون الكاكي، وهذا لا يعني قط عداءً لأي تصورات عن هوية إسلامية أو تقليلًا من شأن ودور المؤسسة العسكرية، لكن ببساطة لأن مصر أكبر من الجميع، والكبر والتنوع الذي أظهره هذا الشعب في الآراء والتوجهات لا يمكن احتواؤه تحت مسميات من نوعية «الشعب المصري عايز كده»، بل حتى هناك فصيلين اعترفا على طريقة علي الحجار «إحنا شعب وإنتوا شعب».
هناك ضرورة مُلحة لطرح أسئلة حرجة تتعلق بضرورة هدم تلك التصورات البائسة عن الهوية المصرية والتوقف عن محاولة فرضها.
الدولة القومية العسكرية انتهت والمشروع الإسلامي السلطوي فشل قبل أن يبدأ، والديمقراطية ليست أكثر من وسيلة لإدارة شؤون البلاد وتوزيع سلطات الماضي صار بعيدًا، ونحتاج لتصورات أخرى عن هويتنا وهوية هذا البلد، تصورات لا تُبنَى على جبال من الأوهام والأساطير.