خلال الأسبوع الماضى قدم وزير الداخلية مشروع قانون الإرهاب لمجلس الوزراء للموافقة عليه، ومن ثم إرساله لرئاسة الجمهورية لإصداره، وعندما كان يدور الحديث حول قانون الإرهاب أتعجب من الحاجة إليه فى ظل وجود قانون العقوبات الذى يحتوى على باب كامل ينظم العقوبات المتعلقة بجرائم الإرهاب، تحت عنوان الجرائم المضرة بأمن الدولة من الداخل والخارج.
إلا أنه بعد قراءة مواد مشروع القانون المقترح يظهر الأمر واضحاً تمامًا أمامك، فالقانون لم يقدم جديداً فيما يتعلق بالجرائم الإرهابية التى يمكن أن تشهدها أى دولة فى العالم عما أقره قانون العقوبات، إلا أن القانون بصياغة مواده المطاطة يضيف بعض الأفعال التى تندرج تحت بند حرية التعبير التى يجب أن تحميها الدولة لا أن تدرجها كأعمال إرهابية. فطبقًا لتعريف الإرهاب الوارد فى المادة الثانية من القانون يمكن اعتبار التظاهر فى أماكن العلم كالمدارس والمستشفيات عملا إرهابيا.
وطبقًا لذات المادة والمادة 24 يمكن اعتبار رسم الجرافيتى الذى كان ولايزال وسيلة فنية لحفر الثورة المصرية وأبطالها فى ذاكرتنا عملا إرهابيا. وأيضًا طبقًا للمادة الأولى يمكن اعتبار «ائتلاف فنانى الثورة»، مثلاً والذى يضم عددًا من فنانى الجرافيتى منظمة إرهابية، وكذا كل المجموعات الطلابية المهتمة بالعمل الوطنى العام، والتى تنظم مسيراتها السلمية فى الجامعات.
ولضمان عدم إفلات هذا النوع من الإرهابيين من العقاب من خلال تخفيض العقوبة تطبيقًا لقواعد السلطة التقديرية للقاضى التى تنظمها المادة 17 من قانون العقوبات، جاءت المادة الثامنة من قانون الإرهاب لتقيد السلطة التقديرية للقاضى عن طريق النص بعدم جواز تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات على هذه الجرائم، فذكرتنى هذه المادة بأننا عندما طالبنا بعدم تطبيقها فى جرائم الاغتصاب وهتك العرض والتحرش هاجمنا عددا كبيرا من القضاة فى أننا نخل بدور القاضى بحرمانه من سلطته التقديرية فى بعض القضايا، وحاولت جاهدًا أن أجد تعليق لأى من هؤلاء على الحرمان الآتى من وزارة الداخلية، وللأسف لم أجد. كما قررت المادة 19 من ذات القانون أن عقوبة محاولة تغيير الدستور أو الحكومة من خلال الأعمال الإرهابية المذكورة فى القانون ـ والتى من بينها التظاهر واستخدام الجرافيتى على سبيل المثال ـ هى السجن المؤبد أو السجن المشدد.
كما يجوز طبقًا للمادة 28 منع أو حجب المواقع الإلكترونية التى يتم تبادل الرسائل من خلالها أو تدعو لأفكار تلك الجماعات. ثم تأتى المادة 21 من ذات القانون لتجعل السجن الذى يصل إلى عشر سنوات عقوبة حيازة المنشورات.
فى الحقيقة سنجد أن قانون الإرهاب لم يقدم جديدًا يمكن أن يجدى فى محاربة الإرهاب الحقيقى الذى يهدد البلاد، وفهمت بعد قراءة مشروع القانون لماذا تترك وزارة الداخلية مطلقى الخطابات التحريضية على الإرهاب والفتن الطائفية، رغم وجود مواد فى قانون العقوبات تجرم مثل هذه الأفعال، وتترك من يريد تشويه الحوائط العامة بكتابة السباب رغم تجريم الفعل بمقتضى قانون البيئة وقانون العقوبات، فالحقيقة أن وزارة الداخلية لا تقوم بدورها فى تطبيق القانون حتى يظل الجميع يشعر بالخطر، ثم يخرج علينا رموز نظام الاستبداد ليعلنوا عجز الأجهزة الأمنية لعدم وجود قانون يساعدها على أداء عملها.
ثم يأتى القانون ـ المخلص ـ لنجد أنه حدد أعداءه وما يراه جرائم إرهابية بدقة فى المنشورات، مواقع الإنترنت، الجرافيتى، والتظاهرات، هذه هى الأفعال التى تريد الدولة الأمنية تجريمها ووصف من يقوم بها بالإرهاب، بالإضافة إلى عدد لا نهائى من الصياغات المطاطة التى تجعل من أى فعل لا يرضى الحاكم عملًا إرهابيًا، وينشغل مجلس الوزراء بمناقشتها لإصدارها فى الوقت الذى تحتاج فيه البلاد حزمة من القوانين الاقتصادية التى قد تنقذ البلاد من الأزمة الاقتصادية، فإذا أردت أن تحارب الإرهاب فابدأ بالقضاء على الفقر.
يبدو أن السادة أبناء نظام الاستبداد الذين وصل بعضهم إلى سدة الحكم على أرواح شهداء ضحوا بحياتهم من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية نسوا أن مبارك سقط رغم أنه حكم 30 سنة بقانون الطوارئ الذى لم يحمه، وأن مرسى سقط عندما أعلن حالة الطوارئ فكسره المصريون ونظموا دورى الحظر، وأن القوانين التى تصادر حقوق المصريين لن تجد لها مكان سوى سلة المهملات، لأننا سنكسرها بمجرد صدورها، وأن من يسعى لتجريم التظاهر ستدوسه أقدام المتظاهرين السلميين، ومن يسعى لجعل الرسومات عملًا إرهابيًا ستحاصره حوائط تحمل صور ضحاياه حتى يحين موعد محاكمته على ما ارتكب من جرائم، المستقبل لأحرار هذا الوطن، وعلى من يريد أن يواجههم أن يتحمل عواقب فعلته.