ما بين المشهدين عدة شهور فقط، لكنهما يظهران حقيقة شخصية د.محمد سليم العوا، يوم الإثنين الماضى دخل د.العوا قاعة المحكمة التى يمثل أمامها الرئيس المخلوع محمد مرسى وسط حفاوة بالغة من المتهمين، وعند مغادرته، حمله أنصار مرسى على الأعناق بما يعنى أنه يمثل لهم قيمة أخلاقية وثورية ومبدئية.
ومنذ شهور وأمام هيئة محكمة لا تقل فى وضعها عن الهيئة التى تحاكم مرسى وقف العوا مدافعًا عن إبراهيم مناع وزير الطيران المدنى الأسبق، الذى كان متهمًا فى قضية فساد مالى مع الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسى السابق، والمنافس القوى لمحمد مرسى الذى يتهم الأخير بتزوير انتخابات الرئاسة.
وكان الدفاع عن مناع وتبرئته تعنى الدفاع عن شفيق وحصوله على البراءة أيضًا.. إلا أن العوا وقف مجلجلًا بصوته: (الجمعية التى انتقلت إليها أموال وزارة الطيران وتم بموجبها إنشاء حديقة سوزان مبارك هى من الجمعيات المركزية ذات النفع العام، ويسهم فيها العديد من قطاعات الدولة، وليس هناك ضرر طالما أن المتهمين لم يتربحوا من وراء ذلك).
مرافعة العوا كانت تحمل عددًا غير قليل من الجرائم السياسية.. لكنه لم يلتفت إليها، أو تجاهلها، فالحديقة باسم سوزان مبارك، وهو يقول إن المتهمين لم يتربحوا من وراء ما فعلوه، وكأن التقرب من سوزان والتزلف لها من خلال دفع أموال عامة فى أشياء وأماكن غير مخصصة لها، ليس وراءها أهداف ومصالح!
فهل كان المتهمون سيتبرعون للحديقة لو لم تكن تحمل اسم سيدة النظام الأسبق، وهل تبرعوا لحدائق مماثلة فى مناطق الفقراء؟ أو لجمعيات أخرى مماثلة؟ لكن العوا لم يلتفت إلى كل هذه المعانى، وواصل دفاعه الذى أدى إلى براءة مناع وشفيق من تهمة الاستيلاء وإهدار المال العام.
طوال العامين السابقين وبعد ثورة يناير المجيدة، ارتبط اسم العوا بالدفاع عن رموز عهد مبارك من المسؤولين أو رجال الأعمال، تولى الدفاع عن غبور فى القضية التى جمعته بأحمد المغربى وزير الإسكان الأسبق، التى اتهم فيها الأخير بتمكين الأول من الاستيلاء على 18 فدانًا فى التجمع الخامس بأقل من سعرها.
واستطاع بحيله القانونية وقف تنفيذ الحكم بحبس غبور سنة، والاكتفاء برده مبلغ 72 مليونًا هى قيمة الفرق بين ما دفعه والسعر الحقيقى للأرض، ومرة أخرى لم يرَ العوا، ما وراء القضية من فساد سياسى، وتزاوج المصالح بين المال والسلطة حتى ولو كان مغلفًا بإطار قانونى!
وقبل الثورة ارتبط اسمه بالدفاع عن عادل أغا الذى استولى على أموال البنوك المصرية، واشترى مصنعًا للغزل فى إطار الخصخصة وشرد العمال ثم هرب خارج مصر، كما دافع عن حامد الشيتى أحد رجال الأعمال المتهمين بالفساد!
الأخطر أنه كان محامى أسرة اللواء حسن عبد الرحمن رئيس جهاز أمن الدولة قبل ثورة يناير، المتهم، حتى الآن، مع مبارك فى قضية قتل الثوار!
حقيقة، لم يدافع العوا عن عبد الرحمن فى هذه القضية.. لكن اللافت للنظر أن محامى عبد الرحمن، كان ولا يزال محمد عبد الفتاح، الذى بدأ حياته العملية بالتدريب فى مكتب العوا قبل أن يفتح مكتبًا خاصًا به، ويستعين به العوا فى قضايا عديدة باعتباره تلميذه المقرب.
هذا هو العوا المحامى صاحب الوجهين: المناضل الإسلامى الشريف والثورى حتى النخاع، والمدافع فى نفس الوقت عن رموز مبارك ورجال أعمال متهمين بالفساد!
الوجهان المتناقضان، نفسهما، يظهران لدى العوا المفكر.. فهو الداعى للتسامح وقبول الآخر وتجديد الفكر الإسلامى بما يواكب العصر، وهو الذى ادعى يومًا أن الكنائس ممتلئة بالأسلحة، وقد اتضح كذبه عندما تم الاعتداء على الكنائس وحرق بعضها بعد عزل مرسى، ولم تظهر هذه الأسلحة التى من المفترض أنه تم تخزينها للدفاع عن الكنائس عند الاعتداء عليها!
العوا المستقل الذى يظهر دومًا فى مبادرات الصلح بين الإخوان والأنظمة حاول أن يفعلها خلال حكم مبارك والتقى بالفعل مع الراحل عمر سليمان رئيس المخابرات السابق، وحاول مرة أخرى عندما طرح مبادرة مشتركة مع المستشار طارق البشرى، لكنها قوبلت بالرفض، وهو نفسه العوا الإخوانى الذى يدافع عن الجماعة فى معظم قضاياها، ويلبى النداء مسرعًا عندما يستدعوه!
وقد فعلها عندما طلبوا منه الترشح لرئاسة الجمهورية حتى يقطع الطريق على عبد المنعم أبو الفتوح، عندما كانت الجماعة لم تستقر هل ترشح أحد أعضائها الظاهرين أم لا؟!
حقيقة.. خجل من الانسحاب بعد ترشح محمد مرسى.. لكنه ظل على ولائه للجماعة.. وعندما طلبوه للدفاع عن المعزول، أسرع وأعلن تطوعه للمهمة، وهو الذى كان منذ أسابيع يطرح مبادرة للصلح!
أيهما، إذًا، العوا الحقيقى، وأيهما المزيف؟!
الواقع أنه الاثنان معًا.. وصدقوه فى الحالتين، إذا كنتم تصدقون حكاية «دكتور جيكل ومستر هايد».. إلا أن الفرق الوحيد، هو أن العوا يفضل لعب دور «مستر هايد» أغلب الوقت!