أولا سأقطع مقالاتى عن الإعلام وملكيته وحريته لأذكِّر بما ينساه صناع الاستعراضات الإخوانية/ أو يتناسونه/ أو يتصورون أننا سننساه.
لن ننسى.
ولن يغطى على دور المرسى فى حفلات التعذيب بداية من الاتحادية، لا مشاهده الهيستيرية/ ولا استدعاء جنون صدام حسين والقذافى إلى قاعة محاكمته.
ولا وصوله إلى قمة الكوميديا السوداء، هو وجوقة المجرمين المخربين المشاركين فى جرائم السنة السوداء من حكم الإخوان.
لن ننسى ما حدث.
ولن ننسى أيضا أن هناك شركاء للمرسى/ الظاهر منهم اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية ما زال مستبعدًا من المحاكمة.
ولن ننسى أن هذا هو الرئيس الثانى الذى يحاكَم فى سنتين بعد أن كان الرؤساء يحكموننا حتى الموت!
هناك رئيس دخل دائرة النسيان/ والثانى سيلحق به بعد أداء فقرته الكوميدية.
كلاهما ينتمى إلى عالم واحد، يبرر القتل والاستبداد باسم أشياء استثنائية/ أو قيم غامضة/ كلاهما يرى أنه شرعى/ وأنه منتخب/ وكلاهما فى النهاية قطع رحلته من القصر إلى القفص بعلامات أن «الدنيا تتغير» و«الزمن يتحرك بأسرع مما يريد الديكتاتور أو من يتشبه به أو يعيش فى دوره..».
هذه حكمة نراها على حياة أعيننا، لم نتوقع أن يقال وزير داخلية فى عصر مبارك/ فسقط مبارك وتمدد فى سرير طبى أمام محاكمة أفشلتها أجهزته.
وتصور المرسى أنه طليعة أمراء المؤمنين من الإخوان فى دولة تستمر ٥٠٠ سنة/ فعاد سريعا إلى السجن الذى هرب منه كأى موظف ينفذ تعليمات جماعته و«إرشاده».
كل مجرم نهايته قريبة/ ولو احتمى بكل ما يملكه من قوانين أو قوة تعتمد على ضعف أو عجز الناس أو على الواقعية المنحطة التى تقول بأن الاستبداد والديكتاتورية قدرنا.
يقول مشهد المرسى فى القفص أمس بكل هيستيريته/ وجنونه/ وموميديته/ وتقليده الصينى لطغاة أصليين، يقول المشهد: «لن يحكم أحد بشروطه، ولو كان أمير الجن أو ملك ملوك الملائكة».
وسأترككم الآن مع ما كتبته عشية أحداث الاتحادية وأعلنت فيها مسؤولية المرسى عن القتل فى محيط القصر.
وللتاريخ أيضا سألتُ المستشار محمود مكى فى مكالمة خاصة بعد استقالته: ألم يرتكب المرسى جريمة بإعلانه نتيجة التحقيق مع متهمين قبل التحقيقى معهم؟
قال: نعم.. لكن أحدًا لم يتقدم ببلاغ.
وقبلها كنت كتبت/ وقبل استقالة المستشار:
«تثبت الأيام أن مسؤولية الرئاسة عن حفلات التعذيب فى (الأربعاء الدامى) ليست فقط سياسية».
فى تلك الليلة التى هاجمت فيها ميليشيات الإخوان الثوار المعترضين على قرارات الرئيس، لم تكن الرئاسة طيبة أو محايدة، لكنها كانت شريكا، وما نريده الآن هو الكشف عن مدى هذه الشراكة.
سمعنا فى شهادات شهود الاتحادية عن أمراء ميليشيات الإخوان وقادتهم الميدانيين الذين كانوا يدخلون ويخرجون إلى القصر الرئاسى فى أثناء حفلات التعذيب.
سمعنا أيضا بكامل وعينا الرئيس فى خطاب علنى يتهم مجموعة من المواطنين بأنهم اعترفوا بأنهم كانوا مأجورين فى خطة هجوم على القصر، وهو ما نفته النيابة أولا بقرارها بالإفراج عن جميع المتهمين، وثانيا بالمذكرة التى قدمها المستشار مصطفى خاطر المحامى العام لنيابات شرق القاهرة والمستشار إبراهيم صالح رئيس نيابة مصر الجديدة إلى المجلس الأعلى للقضاء حول أحداث الاتحادية وبعد قرار النائب العام بنقل المستشار خاطر إلى بنى سويف.
هذه المذكرة خطيرة، وكاشفة لموقع القصر الرئاسى ليس فقط فى ما حدث ليلة هجوم ميليشيات الإخوان، ولكن فى العلاقة الثلاثية بين: القصر والجماعة والنائب العام.
وقبل أن أنقل فقرات بالنص من المذكرة تكمل الرواية التى أراد مندوب الجماعة فى القصر إخفاء تفاصيلها لا بد من إشارتين، الأولى أن النائب العام تراجع عن قرار إبعاد المستشار خاطر بعد حالة الغضب فى أوساط النيابة العمومية من سلوك النائب العام الجديد الذى ما زال يعتبر تعيينه من قِبل رئيس الجمهورية مخالفا للقانون.
والثانية أن مواقع الإخوان ومراكز دعايتها السوداء بدأت فى تلويث سيرة المستشار خاطر الذى شارك فى التحقيق مع مبارك بعد الثورة ومع قتلة سوزان تميم قبل الثورة.
وهو ما يثبت العلاقة الثلاثية التى تسعى إلى أن يكون القضاء، كما كان فى عهد مبارك إلى أداة حكم وترويض وتطويع، وهنا لم يعترض النائب العام على تدخل الأستاذ محمد بديع الموصوف عند الجماعة بالمرشد، حين طالب علنًا النيابة بإعادة القبض على من أفرجت عنهم، لكنه قرر إبعاد المستشار خاطر الذى لم ينفذ رغبة المرشد ومندوبه فى القصر.
هنا انتهى كلامى عشية جريمة الرئاسة فى الاتحادية/ ولم تنته بعد حقيقة أن لا أحد قادر على الهروب من الجريمة/ لا من داخل القفص ولا الذى ما زال محتميًا بتحالفاته فى المرحلة الانتقالية.