«بناء الأخلاق» هو السبب الذي دفع الحكومة الصينية لوضع حد لمحطات التليفزيون الفضائية الصينية بشراء حق بث برنامج أجنبي واحد فقط سنويا ابتداء من 2014 بهدف تعزيز«بناء الأخلاق» والبرامج التربوية.
وقد يرى البعض أن النموذج الصيني ليس الأمثل باعتباره نموذجا يعمل تحت نظام سياسي سلطوي وأن هذا القرار قد يختبئ وراءه نية ممارسة قدر لا بأس به من الرقابة.
ولكن هل الإعلام المصري لا يمارس الرقابة؟ هل هناك جهة مستقلة تعمل على تقييم المحتوى الإعلامي؟ وإذا كان يعمل على تقديم برامج تربوية أم لا؟ لقد شهد المواطن طفرة في مستوى حرية الرأي خاصةً في البرامج السياسية وفي مساحة النقد التي وصلت في بعض الأحيان للتعدي على خصوصية الآخرين. ولكن كانت هناك إجراءات بوقف مقدمي بعض البرامج أو وقف بعض البرامج بسبب ما حدث من خروج عن أخلاقيات المهنة، ولكن تلك العقوبات تتخذ من هيئة الاستثمار التابعة للحكومة المصرية.
ولكن لم نر أي إجراءات اتخذت تجاه ما يعرض من محتويات أخرى بها مخالفات أخلاقية تهدد ثقافة الأجيال القادمة. والمشكلة هنا ليست في المحتوى الأجنبي (مثل ما يحدث في الصين) ولكن في المحتوى المصري. فعلى سبيل المثال كان شهر رمضان علامة فارقة عندما تعرض المشاهدون لكم غير طبيعي من الألفاظ الخارجة والمشاهد الساخنة والأفعال الرديئة مثل تعاطي الممنوعات وتجارة المخدرات وتكرار صور نمطية خاطئة ومتخلفة تهدد المجتمع مثل العنف ضد المرأة وحق تعدد الزوجات. وحدث ولا حرج عن الإعلانات الخارجة سواء في المضمون أو الإخراج، والبدء في استخدام بعض المصطلحات التي أصبح يتداولها الشباب الآن على أنها اللغة السائدة.
وتخلو الساحة من برامج ثقافية مبتكرة أو على الأقل تعكس جزءا من الثقافة المصرية أو العادات المصرية بشكل يجذب المشاهد. فيوجد كم هائل من البرامج الغنائية (ليست من إنتاج مصري وليس لديها أي جزء تثقيفي أو تعليمي).
إن دور الإعلام في غرس القيم والأخلاق لا يعتبر كلام إنشاء حتى تمارس الدول السلطوية قيودا على ما يقدم للمجتمع. فمعظم الدول الأوروبية تفرض على كل القنوات (العامة والخاصة) بتقديم برامج تغرز الثقافة الأوروبية وتعزز كثيرا من المبادئ والعادات والتقاليد. وهذا لأهمية تلك البرامج الاجتماعية والثقافية وتأثيرها في طريقة التفكير وتكوين الصور الذهنية وغرز مبادئ أخلاقية نحن في أمس الحاجة إليها.
ولماذا لا تعرض أي من القنوات الحكومية أو الخاصة برامج وثائقية ممتعة وتعليمية. وبرامج أطفال بإنتاج مصري تساعد الطفل على التفكير والتخيل والإبداع. ولكن معظم القنوات تقتصر على عرض أنواع محدودة من البرامج خوفاً من عدم إقبال الجمهور على البرامج الجديدة.
الإعلام المصري في حاجة إلى إعادة التفكير في ما يعرض على شاشته حتى لو كانت هذه اللغة السائدة الآن. فعليه البدء في تقديم نوعية مختلفة تعكس الثقافة المصرية وتشجع على الترابط الاجتماعي لبناء الأخلاق والحد من تلك الفوضى اللغوية والثقافية التي قد تسيطر تدريجياُ على النمط السلوكي المصري.