ثار الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ من أجل تصحيح مسار ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، ثار لاستعادة الدولة من حالة الاختطاف التى تعرّضت لها من قبل التنظيم الدولى للجماعة، ثار الشعب المصرى من أجل استرداد الدولة المصرية، من أجل مصر التى يعرفها، لم تكن فى ذهن المصريين عندما ثاروا فى الثلاثين من يونيو أى اعتبارات غير مصرية، وشواهد ثورة الخامس والعشرين تدلل على ذلك بوضوح، فلم يكن فى الميدان إلا علم مصر، ولم ترفع شعارات غير مصرية ولا مطالب خارج حدود الوطن، كانت الثورة من أجل العيش والحرية والكرامة الإنسانية. وعندما ثاروا مرة ثانية فقد كانت ثورة من أجل استرداد مصر التى يعرفونها، وليوقفوا الاندفاع باتجاه تغيير هوية مصر. راقب المصريون على مدار عام كامل أداء محمد مرسى، فوجدوه يعمل من منطلق كونه «مسؤول ملف الرئاسة فى مكتب الإرشاد»، وجدوه ينفّذ تعليمات المرشد والتنظيم الدولى للجماعة، لم يعمل رئيسًا لكل المصريين بل كان رئيسًا لفريق من المصريين يكره الفريق الآخر، قسّم البلاد إلى شطرين، إخوان وهم الأهل والعشيرة، وباقى الشعب الذى لا قيمة له من وجهة نظر مكتب الإرشاد والتنظيم الدولى للجماعة. لكن مشكلة المصريين الحقيقية هى أنهم بإسقاط مرسى أسقطوا عن غير قصد ولا تخطيط مسبق مشروعًا دوليًّا ضخمًا استثمرت فيه الولايات المتحدة أموالًا باهظة وخططت له سنوات طوال بالاشتراك مع رفاق فى أوروبا الغربية والمنطقة (تركيا وقطر)، أسقط المصريون مشروعًا دوليًّا للولايات المتحدة متحالفًا مع مشروع أممى للجماعة سبق ولاحت مؤشرات على تحققه، فقد بدا واضحًا أنه بوصول مرسى إلى السلطة فى مصر، اكتمل مسلسل إحكام الجماعة قبضتها على دول عربية رئيسية من تونس فى المغرب العربى إلى مصر فى المشرق مرورًا بليبيا، وجنوبًا إلى السودان واليمن، وهناك الحرب الدائرة فى سوريا والتى كان ينتظر حسمها لصالح التنظيم، مع وجود دول باتت قريبة من السقوط بيد الجماعة وأخرى تلعب فيها أحزاب الجماعة أدوارًا مهمة (المغرب). فى نفس الوقت كانت الجماعة قد تحركت بقوة للسيطرة على الدولة. دول الخليج العربى الغنية بالنفط تكون بمثابة المنصة للقفز على منطقة الخليج العربى الثرية. كان الرفيق التركى يتابع الموقف عن كثب ويمنّى نفسه بعودة زمن الخلافة العثمانية التى سوف تعود فى شكل عصرى حديث بقيادة الخليفة الجديد أردوغان.
أطاح الشعب المصرى فى الثالث من يوليو بمرسى، وأسقط حكم المرشد والجماعة فتلاشى سريعًا المشروع الأمريكى العملاق الذى سبق إعداده للمنطقة، وبينما لم يصدر عن الشعب المصرى ولا مؤسسات الدولة المصرية أى عمل عدائى تجاه أى طرف خارجى، عم الغضب الشديد عواصم المؤامرة التى أطاح بها الشعب المصرى، فتكتّلت تلك العواصم معًا فى محاولة لترميم المشروع وإعادته بالقوة، ففشلوا مرات ومرات بصور وأشكال مختلفة، استخدموا أدوات ووسائل قد تبدو منطقية كالحديث عن الشرعية والانقلاب العسكرى وغيرهما، وعندما فشلت كل هذه الحيل والآلاعيب قرروا شن الحرب على مصر لإسقاط الدولة، تحركوا معًا لتخريب مصر، انتقل الإخوان داخل مصر. الاحتجاج والمطالبة بعودة المعزول إلى تخريب منشآت الدولة والاعتداء على المصريين، باتت الرغبة فى الانتقام من الشعب المصرى تحتل الأولوية لدى التنظيم فى الداخل، وسعت عواصم المؤامرة من إقليمية ودولية إلى معاقبة مصر والمصريين، لذلك تتعرض مصر لحملة شديدة الوطأة فى الداخل بالتوازى مع حملة إقليمية ودولية، فى الحملة الداخلية تكشّفت أبعاد المؤامرة وظهرت الخلايا النائمة وانكشف المتحولون، وفى الحملة الخارجية ظهرت حقيقة مواقف القوى الإقليمية والدولية، من يريد إسقاط الدولة والعمل ضمن منظومة الجماعة، من يرغب فى المشاركة وإبرام الصفقات، وظهر فى المقابل مَن يدعم الدولة المصرية، يساندها، وعزّز موقفها لاعتبارات عديدة فيها مكونات خاصة بدعم مصر الدولة والشعب، وبها مكون يتعلّق بأمنه الخاص واستقراره.