مساء الخميس....
لشد ما كنت حزيناً مساء الخميس!. أمور صغيرة ضايقتنى وأفسدت يومى وأقلقت نومى. وعبثاً ما حاولت أن أقول لنفسى إن الأمر لا يستحق، وليتك تدخر كل هذا الحزن للأشياء الجليلة! ثم سرعان ما لاحظت أن أغلب ما يحزننا فى تلك الحياة هو المضايقات الصغيرة والأكدار اليومية.
من رحمة الخالق أنه فى الأحزان الكبرى الجليلة ينزل مع البلاء صبراً ومع الحزن رضا. أما لو أحصينا جملة ما أحزننا فى هذه الدنيا، لوجدنا أن تسعة وتسعين فى المائة مما أحزننا هى الهموم الصغيرة التى تكدرنا ثم تُنسى بعدها تماماً.
صديق عبس فى وجوهنا! كلمة غير لائقة من زميل. إطارات السيارة مفرغة. خدش فى جانب السيارة. الحافلة مزدحمة بشكل لا يُطاق. الدنيا حر. الدنيا برد. المطر انهمر على رأسى وأصابنى برد. الحذاء يغوص فى الوحل. سائق التاكسى يزيد الأجرة. ألم فى الركبة! أى!. جواربى كلها (فردة) واحدة فأين ذهبت شقيقاتها؟ انقطع الماء والصابون على وجهى! أين شبشبى؟ من الخائن الذى وضعه تحت السرير؟ الكمبيوتر فسد وضاعت ملفاتى. فى اللحظة التى بدأ فيها الفيلم الذى انتظرته تلقيت مكالمة هاتفية من صديق. وشرعت أجيب بنصف ذهن وعيناى تتابعان الفيلم فى حسرة، وصديقى يضحك ويروى النكت ويمزح ويستفيض.
وكل ما سبق (كوم) وما حدث مع (البامية) كوم آخر. البامية التى تفننت فى صنعها، وطهوتها بالسمن البلدى الذى يفرح القلب الحزين. ووضعت عليها قرون الشطة، وسكبت عليها الشوربة الملكية، ومزجتها بالصلصة الحمراء اللعوب. وبينما أنتظر أن تنضج سرحت! هل ذنبى أننى سرحت؟ كنتُ أحاول أن أحل مشاكل البشرية وأفكر فى مستقبل الجنس البشرى. فكانت النتيجة أن البامية شاطت فلعنت سنسفيل البشرية، وعرفت أن البامية الغارقة فى السمن البلدى أهم عندى من مستقبل الجنس البشرى، الذى تبدو حركته عشوائية، ولكنها فى الحقيقة حركة منظمة تهدف إلى الحصول على البامية، خصوصاً لو كانت مطهوة بالسمن البلدى.
حينما أتأمل الآن رحلة حياتى، أقول يا ليتنى لم أحزن لكل هذه الأشياء. ليتنى ضحكت حين شاطت البامية وغمست الخبز بالرضا. ليتنى لم أتضايق حين انقطع الماء وذهبت إلى عملى بالصابون على وجهى فى محاولة لإقناع مديرى أننى لست مهملاً ولكن حكومتك هى المهملة. ليتنى ارتديت الجوارب التى لم أجد شقيقاتها، جورب أزرق فى قدمى اليمنى وجورب أحمر فى قدمى اليسرى. وربما صنعت موضة جديدة يقلدها الشباب.
ما المانع إذا ضايقنا صديق أن نتبع الهدى الربانى ونرد على السيئة بالحسنة. تخيلى أن تقول لك زميلتك كلمة تحرق دمك، فتردين عليها أنها تبدو رائعة وفستانها بديع.
وما المشكلة لو وجدت إطار سيارتك فارغاً فاعتبرتها وسيلة للتغيير وركوب المواصلات العامة. وهب أن سيارتك خُدشت هل هى أغلى من الإنسان! ألا ترى التجاعيد تعيد تشكيل وجوهنا من جديد؟ وبدلاً من أن تولول على الفيلم الذى تنتظره يمكنك أن تستعبط، وتتظاهر أنك لا تسمع صديقك، وتقول بصوت ملهوف: «ألو ألو ألو. إيه ده؟ البطارية حتخلص وأنا فى الشارع. لما أرجع حكلمك. سلام».
الحياة جميلة ومن العبط أن نخضع لابتزاز الهموم الصغيرة.
والخلاصة: «أن الإنسان أجمل من الحزن، ومعظم ما نحزن من أجله نكتشف بعد ذلك أنه لم يكن يستحق كل هذه الأحزان».