.. وكأن محمد مرسى اختصر ثلاثين عاما من حكم مبارك فى عام واحد.
.. وكأن جماعة الإخوان اختصرت ثلاثين عاما من نظام مبارك وحزبه الوطنى الفاسد، الذى ورثه عن سابقه، فى عام واحد.
.. فلم يفعل محمد مرسى شيئا جديدا.. وتخيل بنفوذ جماعته وتحركاتها وتضليلها واستحلالها الحرام أنهم سيظلون فى الحكم أبدا.. فإذا كان مبارك، وهو الشخص الضعيف الجاهل، الذى لم يكن له فى الحكم أو السلطة شيئا، وجاء كرئيس بالصدفة.. رغم أن كل طموحه كان أن يصبح رئيسا لشركة مصر للطيران بعد تقاعده من القوات الجوية -أو كما ادعى بعد ذلك أنه كان يريد أن يكون سفيرا فى لندن، باعتبارها دولة «إكسلنسات»، كما كان يراها- فإذا به يستولى على الحكم.. ويحول مصر إلى عزبة خاصة، كأنه ورثها عن عائلته.. وكان يريد أن يورثها لابنه.. فلماذا لا يكون الإخوان هم ورثته ويحولون مصر إلى الأهل والعشيرة وعزبة خاصة لهم، وأنهم سيظلون يدعون أنهم وصلوا إلى السلطة بالصندوق، وذلك بأنهم زوروا المناخ العام واستطاعوا السيطرة والتمكين، خصوصا مع شخصيات ضعيفة عملت لصالحها الخاص.. ولا يهمها الوطن ولا شؤون الناس.
هكذا فعل مبارك بالسيطرة على الناس، وبنى جهازا أمنيا لمساعدته فى تلك السيطرة، وشجع الفساد والفاسدين للتوغل فى مؤسسات البلاد.. ولم يعل من شأن أحد سوى الفاسدين والمحتكرين، وحارب كل الكفاءات والقوى الوطنية فى المجتمع.
وأفسد الحياة السياسية، وجعل الأحزاب ديكورا لحكمه، بعد أن حولها إلى فرع أو شعبة تابعة لجهازه الأمنى «ولعل ما زال هناك بقايا من أحزاب مبارك على الساحة، منهم من يدعى الثورية الآن بحثا عن مصالحه الشخصية، كما كان يفعل مع مبارك ومن بعده الإخوان».
.. لقد جرد مبارك الوطن من الكفاءات ومن القوى الحية تمهيدا لتوريث ابنه وجماعته التى بدأت فى الاحتكارات، للسيطرة على البلاد وإعادة ترتيبها، وفق قوانينهم للسيطرة.
.. ولعل ما يحدث على الساحة الآن من تخبط وعشوائية وانعدام الكفاءة فى الإدارة، وفى معظم المجالات.. فضلا عن استمرار الأمراض التى أورثها نظام مبارك فى المجتمع، وعلى رأسها السعى نحو المصالح الشخصية وإنكار الشفافية، والتكويش على المناصب فى السلطة.
.. هكذا كان مبارك وثلاثين عاما من الفساد والإفساد والاستبداد.
.. ولعله لم يكن يتخيل أبدا -أى مبارك- أن يخرج الشعب فى ثورة ضده، فالرجل كان يعيش فى الخيال ويهيأ له أنه صاحب فضل على الشعب.
.. ولعل من الأخطاء الكبرى التى جرت عقب ثورة 25 يناير محاكمة مبارك على قضايا يمكن له النجاة منها.. ولم تتم محاكمته على فساده السياسى وجرائمه فى حق المجتمع عبر ثلاثين عاما، والتى نعانى منها الآن وسنظل لسنوات طوال متأثرين بها.
.. الأمر نفسه فى الفساد السياسى ينطبق على محمد مرسى، الذى تبدأ محاكمته مع بعض من جماعته التى كان يتحرك بأوامرها.. فلم يكن هناك أى قرار يتخذه إلا بعد الرجوع إلى مكتب إرشاد الجماعة.
.. فقد حول محمد مرسى البلد إلى عزبة خاصة لجماعة مكتب الإرشاد.
.. ولم يكن أبدا ينظر إلى مصر كوطن، وإلى المصريين كشعب ناضل من أجل الحرية والديمقراطية وتداول السلطة ودستور يليق بتاريخ وجغرافية مصر ومكانتها وبشرها.. بل كان يعتبرهم -أو قل إن الجماعة كانت تعتبر الشعب المصرى- يسيرون على منهج السمع والطاعة، خصوصا لرجال يدعون أنهم يتحدثون باسم الإسلام، وأثبتت الأيام أن الإسلام منهم برىء.
.. فكانت سنة حكم محمد مرسى وجماعته سنة من الفساد السياسى والاستبداد بالسلطة، واستمرار نفس سياسات مبارك، من تجريف البلاد من الكفاءات.. ومنح المناصب والنفوذ للأهل والعشيرة من عديمى الكفاءة، لكنهم أهل سمع وطاعة، ويقررون ما يطلبه منهم مكتب إرشاد الجماعة.
لقد اكتشف الشعب وبسرعة، وبعد أن تعلم الدرس، فساد جماعة الإخوان، ومندوبهم الذى كان فى الرئاسة.. لكن للأسف ما زال هناك من يدير الأمور ولا يفهم كما فهم الشعب.
محمد مرسى وجماعته أفسدوا فى البلاد سياسيا.
فكانت تجب محاكمتهم على الفساد السياسى، وعلى التعطيل الذى أرادوه للبلاد، والعباد.
.. ولعل ما يفعلونه الآن من إرهاب نتيجة إفسادهم فى الحكم.. فتخيلوا إن كانت السلطة أصبحت فى أيديهم أبدا.
.. فمحمد مرسى لا يختلف عن مبارك.. بل إنه صار على خطاه تماما، فى الفساد والاستبداد.
فحاكموا محمد مرسى على فساده السياسى.