ماذا يجمع زعيم الكرملين مع أنصار جماعة الإخوان؟!.. للوهلة الأولى يبدو السؤال غريباً، على الأقل بسبب إصرار الدولة الروسية على بقاء الإخوان ضمن قائمتها الخاصة بالمنظمات الإرهابية، الأمر الذى لم يفلح الرئيس المعزول محمد مرسى فى تغييره، أثناء زيارته الكوميدية إلى المنتجع الصيفى لـ«بوتين»!
الجواب عن السؤال يكمن فى أن بعض الأصدقاء الإعلاميين المنتمين لجماعة الإخوان، وكذلك الذين (يحترمونها) قرأوا بعين المحب تقريراً لوكالة (بلومبرج) عن مشروع روسى يحيل قناة السويس إلى التقاعد!..احتفى هؤلاء بالتقرير على طريقة جريدة (الحرية والعدالة)، حين نشرت صورة لشخص يحمل لافتة مكتوبا عليها بالبنط العريض: (ضاع المونديال يا نوال)، بعد هزيمة المنتخب أمام غانا!.. بل إن النشوة التى صاحبت التعليقات على التقرير جعلتنى أتوقع تسريباً من شبكة (رصد) لصور فلاديمير بوتين رافعاً كفه بشعار «رابعة» فى الساحة الحمراء!
وقبل الخوض فى تقرير (بلومبرج) يتعين الإشارة إلى أن سياسة (كيد العواذل) التى يتبعها أنصار الإخوان أصبحت نهجاً أضافوه بشكل عملى إلى تعاليم حسن البنا!.. ذلك تحديداً يُسَهِّل تفسير الفرح فى مقتل جنودنا فى سيناء، والشماتة فى هزيمة المنتخب، والتنكيد على الشعب فى ذكرى نصر أكتوبر، والسعادة لإحراق الكنائس وإزهاق أرواح مسيحيين.. غير أن (الرابعجية) تخطّوا حدود كيد العواذل المتفق عليها ضمناً بين المتخاصمات فى الأحياء الشعبية إلى مرحلة البحث الدؤوب عن وسائل مادية ومعنوية لإلحاق الأذى بالدولة التى تصدت لتآمر تنظيمهم، وبالشعب الذى لفظ حكمهم!
لم يكن ما نشرته (بلومبرج) جديداً، حيث يسعى الروس، منذ سنوات، إلى تنفيذ مشروع منافس لقناة السويس يصل شرق آسيا بأوروبا عن طريق ربط كوريا الشمالية والجنوبية بخط السكة الحديد المار عبر سيبيريا، وفتح طريق بحرى فى المياه القطبية الشمالية، مستفيدين من ارتفاع درجة حرارة الأرض، وذوبان الجليد القطبى.
فى 2006، زرت القطب الشمالى فى مهمة صحفية، ولاحظت بوضوح مدى اهتمام الروس بتلك المنطقة، وهو ما دفع الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، آنذاك إلى إصدار أمر برفع علم بلاده فى مياه القطب، ما اعتبرته أمريكا وكندا والنرويج استعراضاً للعضلات الروسية، لفرض سياسة الأمر الواقع!
شرَحَ تقرير (بلومبرج) الصعوبات التى تواجه المشروع الروسى، مثل غلاء تكلفة النقل مقارنة برسوم العبور فى قناة السويس، وصعوبة تأمين البضائع، ومعضلات تقنية أخرى، لكن ذلك لم يحظ باهتمام (الرابعجية) الذين أثلج صدورهم عنوانُ التقرير: (بوتين يبنى خط سكة حديدية بين الكوريتين لتفادى قناة السويس).. توقفوا عنده، فقد كان كافياً وزيادة لمخاطبة رغباتهم البريئة!
الواضح أن توقيع مرسى على إعلانه الدستورى فى نوفمبر 2012 لم يؤسس لانقسام المجتمع المصرى فحسب، بل وضع قاعدة لما هو أخطر بكثير: كراهية الوطن!.. فى 25 إبريل 1974، تحرك الجيش فى البرتغال، وأقصى الحكومة الفاشية، نزل الشعب إلى الشوارع وساند قواته المسلحة فيما عرف بـ«ثورة القرنفل». عاشت البلاد عامين فى توتر سياسى بين معسكرى اليمين واليسار، لكن أياً من أنصار المعسكرين لم يدعُ إلى احتلال البرتغال، نكاية فى أنصار المعسكر الآخر!.. لم يعد الكثير من (الرابعجية) يخجلون من إعلان كرههم للوطن الذى هو (حفنة تراب عفنة)، حسب معلمهم سيد قطب، لذا لن نندهش إذا هب هؤلاء إلى حملة تبرعات لتذليل العقبات المادية أمام المشروع الروسى، ولن نستغرب لو سعوا لإقناع زعيم كوريا الشمالية بالانفتاح على العالم، لتسهيل المشروع ذاته!.. خاب الأمل فى حلفائهم: أوباما وماكين وأشتون وباترسون، فبدأوا التصفيق لـ«بوتين»، علّه يرفع لهم كفه بشعار «رابعة»!