هل يمكن أن تقوم دولة، بعد الثورة في مصر على فكرة «البطل الشعبي»؟
السيسي ليس جنرالاً بالمعنى القديم، لكنه يريد أن يصنع «ماضياً» ليكون جسره الى «المستقبل». يختار من الماضي لحظتين يصالح بهما عبد الناصر والسادات، ثورة الضباط (أو انقلابهم) مع «تصحيحها». تسهل المصالحة بالتجريد وفق عنوان «الأداء الوطني للمؤسسة العسكرية» الذي صنع «ثورة تحرر» و«نصرا عسكريا».
كيف سيتفاعل ذلك في عملية تأسيس جمهورية جديدة، ديموقراطية، أساسها الفرد لا حكم الفرد، الحرية لا تربية الشعوب على كتالوغ الحكّام الذين يعرفون أكثر وهم حداثيون أكثر وعصريون أكثر.
تبحث «الدولة القديمة» في تركيبة 30 حزيران (يونيو) عن استثناء نصر أو بطولة.... بينما «الجمهورية الجديدة» إن قامت ستقوم على إلغاء الاستثناء أو إدماجه.
هذه هي المسافة المربكة لجميع أطراف التركيبة، فلا الدولة القديمة لديها شيء غير سلطويتها، ومؤسساتها تشبه الوحش الكبير الذي لا ينقرض رغم ان كل الظروف تمنطق انقراضه، وفي المقابل قوى الثورة لم تفهم كيف تحول شعاراتها الى اساس بنية تحتية، ولا كيف تقاوم السلطوية في القاعات لا الشوارع، واخيرا فإنها لم تعرف كيف تنظم فوضاها.
إنهم يريدون بركته.
الدولة القديمة لا تريد السيسي جنرالا فقط. غالبا تريده «بطلا شعبيا» تعويضا عن غياب جهازها السياسي، واخفاء للعسكرة المباشرة... بينما قطاعات من القوى الجديدة ترتبك في الهوة بين تقدير دور الجنرال في التخلص من الاخوان وبين السير في طريق الديكتاتورية العسكرية الناعمة.
بين الوله والارتباك طيف واسع يقف فيه انتهازيون يداعبون جمهور السيسي بالاعلان عن ترشيحه، وقناصة يستغلون لحظة ترميم الجيش لأسطورته ويسرّبون ترشيحهم السيسي لرئاسة جمهورية رهن اختمار عوامل متناقضة ومتضاربة، وصراع على سيادة النزعة المحافظة، سياسيا، وفي ما يتعلق بمؤسسات الدولة القديمة خاصة الجيش، المؤسسة الباقية، كما تصفها تلك الروايات، المحافظة على المستقبل.
اعلانات الترشح سباق على كعكة، وليست إسهاماً في بناء الجمهورية الجديدة، فكلهم يحسبون حساباتهم بناء على اللحظة الراهنة. وهنا فالجنرال، ببطولته الشعبية هو مركز الحدث بالنسبة للباحث عن قطعة في الكعكة، وفي الوقت نفسه تبدو المؤسسة العسكرية نائبة عن «الدولة القديمة» بمؤسساتها (فتسير مناقشات لجنة الخمسين الى اعادة مجلس الشوري احدى ادوات الحكم وتسكين الكوادر بعد الخدمة)، ورغبتها في احتضان جناح ديني لضرب القوى المدنية (فيكون هناك حديث مثلا عن الغاء مدنية الدولة... وصولاً إلى حل وسط في التطاحن الهوياتي).
هنا تتعمّق أزمة قوة جديدة لم تخرج نهائياً من الفضاء الذي تكوّن بفعل 25 يناير، وهي ايضاً التي شكلّت روح 30 يونيو، هذه القوة ما زالت مؤثرة، ولا يمكن صناعة مستقبل إلا بوجودها، لكنها محل هجوم وانهزامية وفوضى.
ليست وحدها في ذلك.
هل أصبحت 30 يونيو رهن الجيش الآن؟
ليس تماماً، فالمؤسسة كلما سارت باتجاه قديمها، تظهر ملامح تهز الهيبة، مثل حرب المذكرات التي تلت تسريبات مذكرة الفريق سامي عنان رئيس الأركان الأخير في عهد مبارك والضلع الرئيسي في حكم المجلس العسكري، المرحلة الانتقالية الأولى.
الفريق كان في مرمى السهام طيلة الاسبوع الاخير لا تبررها فقط روايته لقصة اقتراحه (الشخصي) يوم 29 يناير 2011 بانقلاب ناعم على مبارك، ورفض المشير طنطاوي وقتها.
تبدو المذكرات جزءا من طموح الفريق الى الترشح للرئاسة (أعلن ثم نفى) وهذا يضرب فرص الفريق شفيق (وهذا تفسير جائز للحملة). كما أن روايات عنان خارج الرواية الرسمية المحافظة للجيش الذي اندفع مصدر عسكري للتصريح بأن «ظهور مذكرات عسكريين سابقين تمثل خطراً على الامن القومي».
ليس معروفاً المدى الذي تعبّر فيه «حرب المذكرات» عن جديد في المؤسسة التي استردت أسطورتها وأصبح قائدها «بطلاً شعبياً» وبين شراكة في المستقبل، بحسب تعبير السيسي، بما يعني التفاوض حول اعادة توزيع مساحة السلطة في مرحلة انتقالية جديدة لتكوين «الجمهورية الجديدة.
ما سبق هو أفضل ما قرأت على مدى خمسة أشهر عن السيسي .. للكاتب الكبير الأستاذ «وائل عبد الفتاح» من مقال «حرب حول الجنرال» في صحيفة «السفير اللبنانية»