تقول الحكمة، لكل واحد من اسمه نصيب. اما القصة فهي كالتالي.. يحكي لنا القرءان الكريم قصة نجاة بنى اسرائيل من فرعون بعد ان أذاقهم سوء الحياة واستضعفهم، حتى بعث كليم الرحمن سيدنا موسى عليه السلام ليخرج ببنى اسرائيل من حياة العبودية الى حياة الأحرار وعبادة الله وحده لا شريك له. وفي قصة بنى أسرائيل هذه حكايات كثيرة صالحة لكل زمان. منها قصة شخص يدعى موسى السامري.
لم يكن من بنى أسرائيل ولا من مصر ولكنه سامري، وحكايته في كلمتان انه حرفي بارع في فن النحت ولم يكن له شهره قبل حكايته مع بنى أسرائيل، لكنه خرج مع المستضفين في الأرض لينجو بنفسه من فرعون. وبعد ان رأى بأم عينيه شق البحر وكيف غرق فرعون وهلك جيشه، لم يؤمن قلبه. ولا أدرى ما السبب.
السامري هذا كان موهب لدرجة عالية جدا. وقد يتبادر الى ذهن القارئ الكريم سؤال، ومن اين عرفت؟ والأجابة انه استطاع ان يصنع عجل في مدة أقل من 40 يوم ويفتن به بنى أسرائيل، فلا يمكن ان يستطيع ذلك بدون ان يكون ماهر جدا. وقد يتبادر سؤال آخر مثل، ما علاقة اسم المقال بالموضوع؟ والأجابة انتظر قليلا وستعرف. المهم، ان السامرى هذا خرج وهو لا يؤمن بأله بنى أسرائيل ويضمر الكفر.
ولما كان السامري صانع او فنان ماهر ويشتاق للتكريم او لأعتراف الناس بموهبته، وجد ضالته في المناخ الذي صاحب بنى أسرائيل بعد العبور ومعجزة شق البحر. ذهب سيدنا موسى ليناجي ربه، وبقى سيدنا هارون "الحليم" مع بنى أسرائيل بمفردهم. وفهم السامري ان بنى أسرائيل يحبون العالم المادي المحسوس ومتأثرين أشد تأثر بالفراعنة وألهتهم، تماما مثل اي مريض "بمتلازمة استوكهولم" والتى تعني ان الضحية يتوحد مع الجلاد، ويتعاطف مع من أذاه. وفي هذا المناخ صنع السامري عجله.
ومع عودة كليم الرحمن من لقاء الله غضب بشدة مما وجده. لكن كيف تصرف حيال بنى أسرائيل الذين أقتتنوا بالسامري؟ هل قتل السامري الذي "كفر" وقال ان العجل هو أله بنى أسرائيل؟ هل أمر بجلده؟ هل أمر بسجنه؟ يعلمنا القرأن كيف نصنع بحرية الرأي وقيمتها ويشرح لنا عبر سيرة سيدنا موسي ومعالجته لأمر السامري الكثير. فالحقيقة ان كليم الرحمن لم يمس السامري بأي أذى، وانما قال له، أذهب فان لك في الحياة ان تقول "لا مساس". لكنه أوعده بلقاء الله في الآخرة وان هذا وعد محقق وعندها يعرف حسابه. ثم ألتفت الى الباطل، الى صنيعة السامري التى أضل بها بنى أسرائيل، وهي العجل، فدمره وحرقه. بدون ان ينال السامري أي عقاب لأنه أبدى رأي مخالف.
هنا القيمة القرءانية السامية التى تعلى من شأن اختلاف الرأي حتى لو كان في العقيدة التى هي اصل كلمة التوحيد. القرءان لم يبح لسيدنا موسى منازلة او إيقاع العقوبة لصاحب رأي مخالف في أمر التوحيد بالله، فما بالك لمجرد ان شخص قال رأي مخالف في أمر من أمور الدنيا؟ بقى ان ننوه الى امران، الأول ان فتنة السامري بقيت حية في قلوب بنى أسرائيل لمدة طويلة، حتى ان الله لما أمرهم بذبح "العجل" في قصة سورة البقرة الشهيرة، ماطالوا وتعنتوا كثيرة لأن قلوبهم تعلقت بالعالم المادي المحسوس وبعجل السامري. والأمر الثاني، انه قد يكون بين المؤمنين الذين يكتب لهم النجاة بعض الكافرين والمنافقين، والدليل ان السامري نجى مع بنى أسرائيل أثناء العبور. لكن الله يمحص ما في القلوب حتى يبين الخبيث من الطيب. ولكل واحد من أسمه نصيب، فلما كان موسى سامري ضل الطريق.