كيف يلتقى الإنسان بلحظاته الأخيرة، هل يقابلها بهلع أم بسخرية؟ عندما تقترب من الموت وتستمع لطرقاته على بابك، من الممكن أن تتعايش معها باعتبارها الحقيقة الوحيدة، أو ترفضها وتنسحب بإرادتك قبل أن تقرأ بالفعل كلمة النهاية على شريط حياتك.
هذه هى معاناة بطل فيلم «فيلا 69» الذى مثل مصر فى قسم «آفاق جديدة» للعمل الأول الذى يعنى الفيلم الأول أو الثانى لمخرجه، دائما السينما المصرية حاضرة فى هذا القسم، فى العام الماضى كان فيلم هالة لطفى «الخروج للنهار» هذه المرة دخلنا إلى فيلا المخرجة آيتن أمين فى أول فيلم روائى لها.
عندما تُقيد أبطالك داخل مكان معزول، واحدة من الأفكار التى نشاهدها بين الحين والآخر، لأنها تحمل فى عمقها قدرا من تحدٍّ للحالة السينمائية فى إطارها الخارجى القائم على تحطيم وحدتى الزمان والمكان عن طريق المونتاج، ومن أشهر الأفلام العالمية «اثنا عشر رجلا غاضبا» لسيدنى لومييت الحاصل على الأوسكار، ولدينا مثلا لصلاح أبو سيف «بين السماء والأرض»، وتظل مثل هذه الحالات الفنية تعتمد فى قسط وافر منها على الأداء التمثيلى وسحر المونتاج، وقبل ذلك قُدرة المخرج على الإمساك بالفكرة التى تثير النهم لدى المتلقى فتُحدث مساحة من التلاقى، كما أن إثارة التأمل تظل عاملا محوريا فى التعاطى معها.
الفيلم أيضا هو العمل الدرامى الأول لكاتبيه محمد الحاج ومحمود عزت، البطل هو خالد أبو النجا، تجاوز الخمسين يعيش مع خادمه الأمين فى هذه الفيلا المترامية الأطراف التى تتيح للمخرجة أن تنتقل من مكان إلى آخر، فلا تستطيع أن تعتبر الفيلم مقيدا فى إطار صارم لا يتمكن من مغادرته، بل هو لديه مساحات لكسر الرتابة، كما أنه يطل على الشارع والجيران وكلها لمحات تتيح له أن يعبر إلى آفاق أبعد.
البطل مهندس معمارى عاشق للموسيقى والغناء القديم يجيد العزف على العود مما يتيح له أن يكسر رتابة الانتظار لساعة الموت ويقفز بعيدا عنها، الكل يتواطأ على مواجهة الحقيقة حتى خادمه يتركه فهو يعلم أنها النهاية ويترك تلك المهمة إلى شقيقته التى أدت دورها لبلبة.
الفيلم ينتقل بالبطل بين اللحظة الحاضرة والماضى البعيد الذى يبدو فى جانب منه أقرب إلى الهلاوس التى يعيشها أبو النجا، وهنا تبدو المخرجة غير قادرة على أن تمنح تفاصيل سينمائية للحظات الهلاوس التى يعيشها الإنسان، عندما يقترب من شاطئ المغادرة، فهو مثلا فى كتابة المقال أقرب إلى جملة اعتراضية ينبغى أن تضعها بين علامتين، وفى التعبير السينمائى كان ينبغى للمخرجة أن تبحث عن المعادل السينمائى لهاتين العلامتين، وهو ما افتقدناه فى نسيج الفيلم ولعب هذا دورا سلبيا فى التعاطى معه.
البطل يعود إلى طفولته ومراهقته مع أشقائه الثلاثة يستعيد الزمن القديم، إلا أن المخرجة لم تنجح فى أن تنير تلك اللحظات بسحر السينما، فخصمت كثيرا من الحالة، الصراع بين القديم والحديث واحدة من اللمحات ولكن الشخصية تبدو بطبعها نافرة لهذا الزمن برغم أن حبيبته التى أدت دورها أروى جودة تصغره بربع قرن، ووظيفته كمهندس معمارى ناجح تجعل التعامل بالكمبيوتر واحدة من أساسيات وظيفته.
الأحداث تبدأ وتنتهى مع موسيقى عبد الوهاب فى أغنية «كان أجمل يوم» وقدمت المخرجة تنويعات على هذه التيمة اللحنية التى تبدو فى جانب منها، كأنها ترسم ظلالا لحياة البطل الذى نراه مغرما بالنساء وممسكا حتى اللحظة الأخيرة بأهداب الحياة، فلقد تزوج مرتين وكثيرا ما وقع فى الحب وتعاطى المخدرات فى فترات من عمره، العلاقة الرئيسية فى الفيلم هى التى تجمعه مع حفيد شقيقته، يبدأ بالعداء لها ثم القبول بها والتعايش معها، بينما الشقيقة التى أدت دورها لبلبة تقتحم الفيلا عنوة وتبدو دراميا على الهامش، بينما علاقته بالممرضة التى أدت دورها هند يسرى بتلقائية وحضور ملفت أكثر حميمية.
اللحظة الأخيرة هى تلك التى يغادر فيها المنزل مستقلا عربته التى صارت «أنتيكة» ويقودها حفيد شقيقته، خروج من الفيلا وخروج أيضا من الحياة، بالطبع الدور هو أفضل أداء لخالد أبو النجا طوال مشواره الفنى، وإن كان فى المونولوجات الطويلة خانه الأداء أكثر من مرة، ويبقى أن هذه التجربة كانت بحاجة إلى مونتاج على الورق وإلى خيال أعمق ومونتاج على الشريط السينمائى، كان الفيلم يعوزه فى عدد من مشاهده السحر السينمائى ولكن فى كل الأحوال مرحبا بآيتن أمين.