لا يجب أن نكون مؤمنين حتى الهوس بنظرية المؤامرة.
كما لا يجب أن نكون منكرين، حتى العبط، نظرية المؤامرة.
العالم لا يعيش طِبْقًا لمؤامرة، لكن لا يخلو أبدًا من مؤامرة (ماذا تسمى تنصت أمريكا على خمسة وثلاثين رئيسا.. حبَّ استطلاع! فضولا مثلا! محمود الجندى فى اللعب مع الكبار؟).
تعالَ أولًا نغير مصطلح المؤامرة بتأملها، فالمؤامرة هى خطة ذات أهداف محددة يتم تنفيذها بخطوات متتابعة، إذن عندما نسميها خطة نفهم أكثر مدى واقعية وجودها، فالغرب مثلًا بارع فى وضع خطط لحياته ومستقبله والدول التى تخطط تعرف تتآمر، لأن لديها هدفًا وتملك خطوات تحقيقه. أما نحن العشوائيين المرتجلين العبثيين فى حياتنا كلها نمشى بلا خطة ولا تخطيط، فنعتقد أن خطة الغرب التى هى فى الغالب معروفة جدا ومعلنة هى مؤامرة.
يعنى مثلا إقامة الكيان الصهيونى فى فلسطين، هى خطة اليهود والغرب، وهى من وجهة أخرى مؤامرة اليهود والغرب على العرب. كل ما هو خطة ذات خطوات وأهداف تجاهنا هى مؤامرة علينا.
هنا يتبدى لنا عدة أسئلة: أكُلُّ حاجةٍ نتعرض إليها من الغرب مؤامرةٌ؟
الإجابة هى خطة من الغرب، حيث هو عقل مخطِّط وليس عشوائيا ولا تتغير خططه تبعًا لرئيس أو حكومة، وهو استراتيجى بعيد النظر، إذن كل ما نتعرض له من الغرب خطة، وإن كان لك أن تسميها مؤامرة.
طيب لماذا يتآمر علينا الغرب أصلًا؟
الإجابة.. أولا: هو لا يتآمر، بل هو يخطط. ثانيا: هو متآمر بطبعه، لأنه استعمارى إمبريالى يرى الجنوب عمومًا وليس العرب فقط، مجالًا طبيعيا بديهيا لممارسة هيمنته. ثالثا: إن لديه مصالح أساسية فى المنطقة أهمها إسرائيل، ثم إيران ثم البترول، ويسعى لتطبيقها أو للدفاع عنها بالتخطيط الذى تسميه مؤامرة.
السؤال: إذن وما الذى نملكه الآن كى يُتَآمَر علينا؟
الإجابة: وما الذى كنت تملكه وأنت مفتت مفكك فى إماراتٍ وممالكَ، ومع ذلك شُنَّت عليك الحروبُ الصليبية مئتى عام. أحيانا يكون مجرد ضعفك هو مبرر التآمر عليك، وليس قوتك سبب التآمر ضدك. ثم إنك مهم بس حمار ومش واخد بالك.
إذن هل يمكن أن نتآمر نحن عليهم؟
والله إنت وشطارتك. إنت وقدرتك «وهى محدودة جدا» على التخطيط والثبات فى الهدف والاستمرار فى التنفيذ. لكن السؤال الأهم: هل نستطيع مواجهة مؤامرة الغرب وإفسادها؟
طبعا.. وثلاثين يونيو أعظم دليل على مواجهة المؤامرة، بل وتحدى الغرب الذى خطط ونظم ودبّر ودفع واتفق وأنفق وانتظر النتيجة. فإذا بالشعب المصرى يصفعه بقسوة، وهذا يبرر لك كل ما تراه الآن من الإخوان والأمريكان والغربان البيض.
ومَن الغربانُ البيض؟ آه.. هذا موضوع آخر نبقى نتكلم فيه.