تُرى ما السيناريوهات المطروحة أمام الفريق أول عبد الفتاح السيسى فى خريطة حياته السياسية مستقبلًا؟ هل سيبقى فى منصبه كوزير الدفاع أم يستقيل كما يأمل محبوه ومريدوه ليصبح المرشّح الأكثر حظًّا بالفوز فى الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
هل سيظل متمسكًا بموقفه المعلن ويرفض إغراءات العرش والسلطة؟ ليصبح بالضرورة الرئيس غير المعلن والفعلى للبلاد ويتحوّل شئنا أم أبينا إلى مرشد جديد ليعيدنا إلى جدلية العلاقة التى مكّنت مرشد الإخوان المعتقل محمد بديع من إدارة شؤون الرئاسة بالريموت كونترول عبر الرئيس المستبعد والأبعد محمد مرسى؟
ظنّى أنه ليست أمام الفريق خيارات كثيرة، فى ظل الشعبية الكبيرة التى يتمتع بها وسط الجماهير التى صوّتت لأجله مبكرًا ونادت به كرئيس حتى قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لكن الجنرال الذى أمضى حياته مرتديًا الزى العسكرى وخلف الستار، سيتعيّن عليه أن يحسم أمره قريبًا، ليس فقط لأن حملات تأييده تتزايد، ولكن أيضًا بحكم تطلّع الكثيرين غيره إلى المنافسة.
لو فعلها السيسى كما تأمل غالبية كبيرة ممن شاركوا فى الثورة الشعبية التى ساندها الجيش المصرى العظيم لعزل الاستبن، فإنه سيكون قد حسم أيضًا نتيجة الانتخابات قبل أن تتم لصالحه بغض النظر عن قيمة أو وزن المرشحين المنافسين.
عباءة المرشد لا تليق بمن ألبسه الشعب بدلة الرئيس وهنّأه بشكل مبكّر على توليه السلطة، لكن يتعيّن على الجنرال أن يتخلّص من انشغاله بما سيقوله الغرب وأمريكا وحلفاء الإخوان من أن ترشّحه لرئاسة سيكون اعترافًا بانقلاب عسكرى.
حسنًا أيها الجنرال، لا تنسَ أنهم قالوها من قبل ولم نبالِ، وسيفعلون ويهددون مجددًا، فتلك أكاذيبهم التى فضحها ملايين البسطاء فى بلدنا.
«حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنّى لك الغلط»، مثل شعبى فى الصميم ومعبر عن حالة السخط التى انتابت معظم المشاهدين بعد حلقة البرنامج لباسم يوسف مساء الجمعة، بسبب ما اعتبروه تطاولًا على «بطل الأمة وفارسها الأول» السيسى.
لقد تغاضى الكثيرون عن لغة البرنامج وإيماءاته الجنسية الصارخة منذ ظهوره، وغفروا له ما لا يرضونه كلغة فى بيوتهم وأمام أبنائهم، لكونه طرفًا فى معركة الإعلام مع حكم الإخوان المسلمين والاستبن المخلوع.
لكنه عندما سعى إلى النيل من «الجنرال الرمز»، فقد فى دقائق كثيرًا من جمهوره، فى مشهد ينبغى أن يكون عبرة لكل مَن تداعبه أحلام السلطة أو يفكّر فى منافسة السيسى على عرش مصر.
عندما كان مقدم البرنامج يسخر من نظام الرئيس السابق حسنى مبارك قبل سقوطه أو بعده أو الإخوان المسلمين خلال فترة حكم الاستبن، كان بالأساس يعبر عن مزاج شعب أو حالة نفسية عامة، رأى فيه المصريون وسيلة للانتقاص من حكم الاستبن، فالتفّوا حوله وأصبح أحد أكثر البرامج شعبية فى فترة وجيرة، وحاز على أعلى نسبة مشاهدة على الإطلاق.
ومثل غيره من مقدّمى البرامج والصحفيين والناشطين لعب البرنامج دورًا بطابعه الكوميدى اللاذع، لكن عندما عاد المهرّج صدم الكثيرين لأنه ظن أن شعبيته ستغفر له ما يعتبرونه تطاولًا على الرجل الذى بات حاليًا خارج أى منافسة سياسية.
وعندما تطالع ردات الفعل الغاضبة أو المستاءة من الاقتراب من السيسى الخط الأحمر للبسطاء، فأنت يقينًا أمام أيقونة لا يقبل الناس المساس بها بأى حال من الأحوال ولو حتى من باب السخرية.
ما تقبّله المصريون فى السابق من «التليفزيونى السياسى» بات مكروهًا بعدما تجرّأ «المهرج الساخر»، من تجاوز كان يحتاجه ليقل للجميع إنه قادر على التطاول أو السخرية من أى شخصية مهما كان وزنها السياسى أو شعبيتها وسط الجماهير.
ما حدث يقول لك بالتأكيد إن المصريين حسموا أمرهم وانتخبوا السيسى مبكرًا قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع فى انتخابات لم تتم بعد، كما يظهر إلى أى مدى بات الاقتراب من السيسى نقدًا أو انتقادًا همزًا أو لمزًا أمرًا غير مستحب ولا محل له من التقدير والإعجاب.
الدرس الأخير هنا هو أن المزاج الشعبى العام بات يتغيّر باستمرار، وعلى المهرج كغيره من لاعبى السيرك الإعلامى والسياسى أن ينتبهوا لأن قواعد اللعبة تتغيّر فى أى وقت دون إشعار مسبق أو إعلان رسمى.
وهكذا، فالجمهور الذى رفعك فى فترة وجيزة إلى عنان السماء والتف حولك فى أمسياته، قادر على أن يعيدك من جديد إلى حيث كنت فى دقيقة واحدة ويحذف تاريخك كله ما دمت قد نسيت نفسك أو تصوّرت أن نفس الجمهور الذى غفر لك فى السابق ذلّاتك سيتغاضى عنها لاحقًا.