أنت رجل عسكرى، تدرك أنه لا يجوز لك أن تحارب وأنت تقف على أرض رخوة، حيث لا ينبغى لك أن تكون، عليك أن تبعد أذنيك عن كل أسباب الغواية، وتترفع عن المنصب الذى يزينونه لك، فخ السلطة الجميل الذى يحول الأبطال إلى مستبدين، ويقلب المحبة إلى كراهية، لا تسمع ما تقوله لك جوقة الغربان التى تنعق فى أجهزة الإعلام دون توقف، مذيعون ينافقون كل العصور ويغيرون لغتهم وفق كل حاكم، ضباط متقاعدون يدّعون أنهم خبراء استراتيجيون، شرايينهم متكلسة، ورؤيتهم ضيقة وينصِّبون من أنفسهم سَدَنة على المستقبل، انتهازيون من كل طعم ولون، يريدون أن يشكلوك على مقاسهم، لا يقبلون بك بطلا مجردا، فعلت ما فعلت لإقرار الحق وإنقاذ روح الوطن، لا يستوعبون أنه لا ثمن يوازى الفعل النبيل، ولا مقابل للشهامة، يريدون أن يضعوك فى قالبهم النفعى الذى لا يجدون غضاضة فى اقتناص المقابل المادى لكل ما قاموا به من نفاق رخيص.
كن بعيدا عن مستنقعات السياسة ورائحتها العطنة، لا تغرق نفسك وسط كلمات الدهاء التى تحيط بك، حتى من قادتك الذين يحرضونك على حكم البلاد بدعوى إنقاذها وحمايتها، اتبع فقط عقيدتك العسكرية التى تحدد دورك فى بناء هذا الوطن وخدمته، المكان الذى أنت فيه هو اللائق بك، الذى تجيد فيه التعامل مع الآخرين، لا تصدق ما يقولونه من كلمات ولا شعارات، «كمل جميلك» هو تعبير خادع، يقوله أناس لا نعرف من أين جاؤوا، ولا نعرف إلى أى منطق تستند الأرقام التى يطرحونها؟ إنهم يستغلون لحظة الفوران العاطفى عند الشعب ليبتزوك عاطفيا، يمكنك أن تتم جميلك وأنت فى مركزك وقوتك وبهائك، ما زلنا نطلب منك كثيرا، حافظ على الشعرة التى تربط بينك وبين الشعب الذى أحبك، لو استطالت المسافة بينك وبينه لانقطعت، إنهم الآن يهتفون لك قائدا، فلا تدعهم يهتفون ضدك وأنت رئيس، لو استطعت فاجعل ممرا مفتوحا بينك وبينهم، لا يستطيع أحد غيرك المرور منه إليهم، الرئاسة لها أبواب صلدة، تنحو دائما للانغلاق، تعزلك وتبعدك وتقصيك، لن تضعك بزتك العسكرية فوق مستوى الشبهات، وسيتجمع أمام باب مكتبك رجال من كل نوع، سيتظاهرون أنهم ديمقراطيون وعشاق للحرية ورجال دين مستنيرون، وتحت أقنعتهم ستجد وجوها أخرى، مرابون ورجال أعمال وعشاق سلطة، سيفرشون طريقك للسلطة بكلمات التذلل والتفخيم، ويصنعون منك إلها من العجوة، يغسلون ذهنك، لأنهم خبراء فى قتل كل الأفكار النبيلة، حتى تفكر بطريقتهم النفعية، ويجعلونك تعتقد أن أغراضهم هى حاجتك الشخصية، سيزينون لك أنك رئيس ملهم، رجل الأقدار الذى يعرف كل شىء، من الفن العسكرى إلى قيادة المجتمعات، وأن حركة الأرض لا تتواصل إلا بتوجيهات منك.
أسباب كثيرة تدعونا إلى مطالبتك بعدم ترشيح نفسك، فى هذه المرحلة، فى تلك الظروف الحرجة التى تمر بها مصر:
أولا: سيؤيد هذا الترشيح المزاعم التى تصر على أن ما حدث فى يونيو كان انقلابا، طموح للسلطة لا لنصرة المصريين وتخليصهم من استبداد القوى الدينية، وسيقال إن خارطة المستقبل كانت ذرا للرماد فى العيون، وستصنف مصر دوليا فى عداد الدول الفاشلة، تصنيف لا يليق بها ولا بتاريخها، لم يعد المجتمع الدولى يتقبل صعود عسكرى إلى قمة السلطة بواسطة الانقلاب، حتى لو خلع البزة العسكرية، واحتكم إلى صناديق الانتخاب، فلن ينسى أحد أن دبابته قد نزلت إلى الشارع، مهما كان هدفه نبيلا وتفويضه سليما، سنظل أسرى للعقوبات الدولية، حتى الأفارقة لن يغفروا لنا لأنهم يعرفون جيدا الثمن القاسى للانقلابات.
ثانيا: لن تكون هناك انتخابات حقيقية، ففور الإعلان عن ترشحك، وحتى قبل ذلك فقد تراجع الجميع، فلا أحد يستطيع أن ينافس شعبيتك الطاغية، ولا قوة المؤسسة التى تستند إليها، المنافسون خاسرون منذ البداية، ستتحول الانتخابات إلى استفتاءات، معاناة ستين عاما تعود كاملة، استفتاءات عقيمة تعطل حلم تداول السلطة والشروع فى المسار الديمقراطى.
ثالثا: أنت قائد عسكرى جيد، كل رفاقك من القادة يشهدون على ذلك، ولكن هل ستكون رئيسا جيدا، الله أعلم، قيادة المجتمع أمر مختلف، لا يعتمد على تنفيذ الأوامر دون مناقشتها ولكن على توازن دقيق بين كل أطياف الشعب السياسية، لقد جربنا ثلاثة رؤساء من العسكر، لهم مزاياهم العظيمة، وأخطاؤهم العظيمة أيضا، اتبعوا معنا أسلوبا واحدا، التضحية بفصيل أو فصيلين من الشعب لتنجو بقية الفصائل، كما يحدث فى أثناء الحروب، وامتلأت سجونهم بكل من يخالفهم سياسيا، وكانت مروعة، وما زالت كذلك، لم نجرب رئيسا مدنيا يحكم المجتمع المصرى بشكل متزن، ويقوم بتداول السلطة دون عنف أو انقلاب، لقد أثبتت ثورة 25 يناير وموجتها الثانية أن مصر ليست إرثا خالصا للعسكر، وأنها تستحق أن تفلت بروحها بعد أن ظلت فى قبضتهم على مدى أكثر من ستين عاما.
رابعا: سيزيد هذا الترشح من حدة الصراع فى الشارع المصرى، فبقايا الإخوان لم يقتنعوا بعد بالهزيمة، ويرفضون أن يروا جموع الشعب المصرى التى خرجت رافضة لحكمهم، يمضغون المرار وهم يتذكرون اللحظة التى تدخلت فيها استجابة لرغبة هذا الشعب ونحيت رئيسهم، هم يكنون لك عداء لا يهدأ ويحملونك مسؤولية فشلهم، لقد فضت الشرطة اعتصاماتهم، وقبضت على قادتهم، وماتت منهم أعداد كثيرة، ولكن هذا لم يردعهم حتى الآن، والمشكلة أنهم جزء منا، من أهالينا وأقاربنا، وسيظلون يعيشون بيننا، نتشارك معا فى تحمل المشكلات ونتقاسم لقمة العيش، وسيثير ترشحك جام غضبهم، ويؤخر لحظة السلام المفترض أن تأتى لهذا البلد.
خامسا: هناك مهمة عظمى للجيش المصرى، فقد تبينا جميعا أن معركته داخل سيناء لن تكون سهلة، وسيستغرق استئصال المخربين وقتا وجهدا، وهم يسعون لنقل المعركة إلى أعماق الوطن، إنها المعركة التى على القادة أن يوجهوا قصارى جهودهم إليها، نريد جيشا محترفا يركز عيونه على أرض الميدان لا على كراسى السلطة، ونريد أن تكون معاركه قصيرة وفعالة حتى لا تستهلك قواه، ورغم أن الظرف مختلف فقد تعرض الجيش المصرى قبل ذلك للاستنزاف فى حرب الجبال، وذلك حين ذهب جزء لا يستهان به للحرب فى جبال اليمن، وكانت حربا صعبة وغير حاسمة، أثرت على الجيش حتى بعد عودته، فقد كانت أحد أسباب هزيمته المروعة فى حرب 67، لا نريد أن يتكرر هذا الخطأ فى سيناء، ونريد من الجيش أن يكون سريعا وحاسما، ولن يتأتى هذا إلا حين يتفرغ لمهمته، وأن يكف قادته عن تحريض قائدهم العام عن الدخول إلى بحر السياسة بحجة توفير الأمن للوطن، فمن المؤكد أن ما يقوم به الآن هو الذى سيوفر الأمن للوطن ولأبنائه.
سيدى الفريق مع امتناننا الكبير لما فعلته، كمل جميلك وابقَ فى مركزك وأدّ واجبك واحرص على هدفك الأول، توفير الأمن لهذا الشعب الذى أحبك.