بصرف النظر عن أن مبلغ 4.9 مليار دولار، أى أقل من خمسة مليارات دولار، ما كان يستحق سفر رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوى والوفد الضخم المرافق له، فدولة الإمارات دفعت أكثر من هذا، ليس فى هذه الأيام فقط، بل دفعت الكثير والكثير جداً منذ سنوات عديدة، منذ أيام «السادات» و«مبارك»، بل لا ننسى الزيارات «المشبوهة»، التى كثر الكلام عليها للرئيس المخلوع «مبارك» لمدينة جنيف، لمقابلة الرجل السخى الرائع، الذى لن تنساه مصر، وهو «أخى الشيخ زيدان» على رأى السادات، وما قيل أيامها عن «بصمة العين»، و«بصمة اللسان»!
ما علينا، المهم أن مبلغ 4.9 مليار دولار نشكر الإمارات عليه فقد تحملتنا أكثر من اللازم، وكانت مستعدة أن تدفع أكثر منه بمجرد الطلب، دون سفر طائرة مليئة بكبار رجال الدولة ومعهم الحرس وغيرهم!
لكن الأهم من ذلك ولفت نظر الشارع المصرى هو ما قاله رئيس الوزراء فى المؤتمر الصحفى الذى عقده مع الجالية المصرية هناك، ونشرته جريدة «الأهرام»، فى المانشيت بطول الصفحة الأولى أن مصر أصبحت دولة مدنية وستظل دولة مدنية، وثورة 25 يناير أنهت الحكم العسكرى للأبد!
نعم مصر أنهت الحكم العسكرى الذى بدأ فى 23 يوليو 1952 بمعجزة ثورة 25 يناير الشعبية الشبابية، التى انفجرت من تلقاء نفسها من كثرة ما عاناه الشعب من حياة غير محتملة بعد أن كنا أغنى دولة صاحبة تاريخ نباهى به الأمم، وصاحبة حضارة لا يملكها أحد، وأيضاً، صاحبة حاضر خير من أى دولة فى العالم، خير من دول أوروبا المدينة لشوشتها لمصر، خصوصاً إنجلترا وفرنسا، حيث كانتا تستوردان من مصر القطن والقمح، وفرنسا تزيد عليها باستيراد الورد والفل والياسمين من مزارع أحمد حمزة الشاسعة المتخصصة فى هذا النوع من الزراعة، وكانت تمول مصانع ليون بفرنسا، حتى إن رجل أعمال كبيراً كان اسمه «الشبراويشى باشا» فتح مصانع مثل فرنسا لأنواع الكولونيا والروائح النسائية.
مصر هذه العظيمة تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً حولتها ثورة يوليو «غير المباركة» إلى دولة مدنية لا تجد لقمة العيش، ولا مكان لتلميذ، ولا سرير لمريض، ولا موقع قدم فى المواصلات، ولا وظيفة لأولادها!
لذا، كلنا نقول مع الدكتور الببلاوى إن مصر تحولت إلى دولة مدنية بعد ثورة 25 يناير، التى أنهت للأبد الحكم العسكرى!.. ولكن.. ولكن.
ولكن حينما يكون أحد هؤلاء هو رجل الساعة، الذى لا بديل عنه، الرجل الذى أجمعت عليه كل القوى الشعبية، الرجل الذى أنقذ مصر من مخططات عالمية لتمزيقها وتحويلها إلى ولايات خاضعة لقوى خارجية، الرجل الذى وضع رأسه على كفه، وتحدى السلطات القائمة، وأنقذ شعباً طيباً مغلوباً على أمره يدعو الله صباحاً ومساء وما بينهما، هذا الرجل لا يمكن أن نعتبره من رجال العسكر، الذين لا يعرفون سوى الالتزام والطاعة دون تفكير بالعقل، ولا عاطفة القلب، نحن فى أشد الحاجة إليه، ليس عرفاناً بالجميل فقط، بل أيضاً هو «رجل الموقف»، الذى نحن فيه الآن، رجل العصا والجزرة، رجل السيف والقرار الحكيم، هو شارل ديجول الفرنسى، وسوار الذهب السودانى، حينما أنقذا بلديهما ثم تركا الكرسى فوراً.
يا سيادة رئيس الوزراء..
المهم أن الرجل يوافق، فهو يرفض بشدة أن يكون الرئيس، مهما كان الإجماع، حتى إن رجال التاريخ يفكرون فى الطريقة التى أتى بها محمد على الكبير إلى رئاسة البلاد عام 1805، حينما اختاره زعماء الأمة برئاسة عمر مكرم، الرجل المصلح القوى، الذى أسس مصر الحديثة، وكسر شوكة المماليك، فلما لم يطيعوه ألقى بهم من فوق القلعة! لتتخلص البلاد منهم نهائياً.
مصر الآن فى 2013 فى أشد الحاجة لمثل هذا الرجل القوى، الذى يبنى البلد من جديد، ويقضى على الفتن والمؤامرات، رجل لا يعرف «قرارات منتصف الطريق»، رجل يخرجنا مما نحن فيه بأقصى سرعة، فهل يقبل الفريق أول عبدالفتاح السيسى من تلقاء نفسه؟ أم سيحمله زعماء الأحزاب إلى الكرسى، مثلما حدث عام 1805؟ هل يعيد التاريخ نفسه؟.. يا ريت! رغم رفض هذا التليفزيونى الذى يلعب بالنار، ويظن أنه خفيف الظل، الذى فقد رصيده القديم إذا لم يصلح من نفسه بأسرع ما يمكن!