ما هى استراتيجية الإخوان المسلمين اليوم فى مصر، على بعد أيام قليلة من بدء محاكمة رئيسهم المعزول، يوم الرابع من الشهر القادم؟ والإجابة تستلزم التعرف بداية على أماكن تحرك الإخوان والطريقة التى يتحركون بها فيها. فالملاحظ هو أن الإخوان مع بدء العام الدراسى الجامعى قد راحوا يكثفون معظم نشاطهم فى مختلف جامعات مصر، محاولين الاستفادة لأقصى مدى من الزخم المعتاد الذى تتمتع به أى حركات طلابية. والملاحظ أيضاً أن المكان الثانى لتحرك الجماعة هو الصعيد الدولى، حيث كثفت وحلفاؤها من وقفاتهم الاحتجاجية وتحركاتهم الإعلامية والسياسية فى عديد من دول الغرب الأوروبى، بالإضافة بالطبع للولايات المتحدة الأمريكية.
فأما عن الجامعات المصرية، فإن الإخوان يحاولون الاستفادة بكل الصور من وجود عديد من طلابها، من المحتجزين والمحبوسين على ذمة قضايا مختلفة، بأوامر من النيابات وقضاة التحقيق فى السجون المصرية، وكذلك من سقوط بعض الطلاب ضحايا بين قتل وجرح فى عمليات الصدام التى تقع بين مظاهرات ومسيرات الجماعة وقوى الأمن، أو فئات الشعب المصرى الرافضة لها. طلاب الإخوان فى الجامعات المصرية يقومون باستغلال مثالى لمشاعر الطلاب الجامعيين الطبيعية تجاه مصرع أو جرح أو حبس بعض زملائهم، فى حشد هؤلاء حول هذه القضايا الحساسة، وتحميل النظام المصرى الحالى مسؤوليتها الكاملة، ومن ثم تحميل كل هذا على ما يسمونه الانقلاب العسكرى الدموى.
يسعى الإخوان فى كثير من الجامعات إلى تعبئة الطلاب حول قضايا زملائهم الذين ليسوا جميعاً من الإخوان، وفى نفس الوقت يبتعدون بقدر الإمكان عن الحديث عن قضية عودة الرئيس المعزول محمد مرسى، أو عن قضية فض اعتصامى رابعة والنهضة، بحيث يبدو تحركهم وسط زملائهم وكأنه موجه فقط لاستعادة حقوق الطلاب جميعاً، من قتلى وجرحى ومحبوسين، ومعها حقوق المصريين جميعاً فى الحرية والكرامة، وليس ما يعتقدون هم أنها حقوقهم فى عودة رئيسهم وما يسمونه الشرعية. ويسعى الإخوان من خلال هذا إلى توسيع جبهة المعارضين لصيغة الحكم المؤقتة الحالية فى مصر، خصوصاً بالمبالغة والترويج بأنها «حكم العسكر»، وذلك لجذب قطاعات من طلاب اليسار والليبراليين بكل طوائفهم إلى معسكرهم باعتبارهم رافضين دائمين لهذه النوعية من الأنظمة، وتلك الأشكال من التعدى على الحريات والحقوق العامة. ويسعى الإخوان إلى الاستفادة من هذه التعبئة وهذا التحرك نحو ضم قطاعات جديدة من الطلاب إلى معسكرهم بعد إعادة صياغته، نحو الوصول إلى مساحة أوسع من الفوضى والرفض لخطوات خريطة طريق المستقبل، وخصوصاً الاستفتاء على الدستور الذى يرغبون بكل السبل فى إفساده أو خروجه بنتائج منخفضة فى المشاركة والموافقة، بما يطيح بشرعية 30 يونيو تماماً ويؤكد شرعية حكم رئيسهم المعزول ومجالسهم النيابية المنحلة.
أما فى خارج مصر فإن الإخوان بتحركاتهم المكثفة الإعلامية والسياسية فى الدول المشار إليها يسعون إلى محاصرة سياسية ومن ثم اقتصادية للنظام الحالى فى مصر، الأمر الذى سيؤدى بحسب تحليلهم إلى تضييق فرص البقاء أمامه ودفعه إلى التفاوض معهم والقبول بمعظم شروطهم، وبخاصة عودة ما يسمونها الشرعية. ومن الواضح من إصرار الناطق الرسمى الإعلامى باسم الجماعة، وهو قنوات الجزيرة، على المضى فى العداء والاستعداء على الحكم القائم فى مصر، أن الجماعة وحلفاءها الإقليميين يعولون كثيراً على نجاح هذه الاستراتيجية. ويشجع مضى الإخوان والحلفاء فى هذا الطريق بعض الإشارات المشجعة التى يتلقونها من الإدارة الأمريكية، وآخرها تجميد بعض المعونات العسكرية للجيش المصرى.
وإزاء هذين النوعين من التحرك الإخوانى، داخل البلاد وخارجها، لن يكون منطقياً ولا مقبولاً أن تقف قوى الثورة وأجهزة الدولة دون رؤى واضحة للتعامل معها ومواجهتها وإجهاض سعيها عن طريق خطوات وسياسات وقرارات ذات طبيعة عاجلة ومؤثرة، وهو ما يتوافر منه الكثير، ولكن لابد أن يتم هذا بسرعة وحسم ودون إبطاء حتى تفشل المساعى الإخوانية لبث الفوضى وإيقاف عجلة خريطة المستقبل.