(1)
المكان شارع السد بالسيدة زينب..
الزمان يوم جمعة الغضب 28 يناير 1201 قبل إحراق قسم السيدة..
أراه يتقدم الصفوف.. يلقي الحجارة على الداخلية التي تهاجم المتظاهرين.. يبدو لا مباليًا بقنابل الغاز التي تحيط بنا قبل أن يضطر للتراجع مختنقًا من سيل الغاز المسيل للدموع.
يجلس على الرصيف منهكًا.. أناوله منديلا مبللا بالخل.. يهز رأسه شاكرًا وهو يمسح وجه بالمنديل، ثم ينظر للمتظاهرين قليلا ويتساءل ببساطة:
ــ همّ ولاد الكلب دول بيشتموا مبارك ليه؟
لم أستوعب السؤال.. نظرت له بغباء.. بدأت أستفسر منه عن سبب اشتراكه أصلا ففهمت أنه سائق ميكروباص يعاني من إذلال الشرطة له قبل أن يقول لي:
ــ نازل أحط على الداخلية.. الداخلية.. لكن ماله مبارك.
نظرت له باعتباره ساذجًا.. احتاج الأمر لعامين ونصف العام لأكتشف أنني من كنت الساذج.
(2)
مبارك.. مجلس عسكري.. مرسي..
إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم..
من قال لكم إن المشكلة كانت يومًا هؤلاء..
(3)
محمود .. حاصل على بكالوريوس هندسة، جامعة القاهرة، انتحر هذا الأسبوع بشنق نفسه بمنزله بالجيزة، لمروره بأزمة نفسية لفشله في الحصول على وظيفة منذ تخرجه قبل أربع سنوات.
محمود لم يجد من ينقذه طوال أربع سنوات.
كان يمكن إنقاذه.. فالحلول موجودة في درج مكتب كل من حكم هذا الوطن.
لكن بلد المرشح الإسلامي الوحيد قرر أن يمضي عامًا كاملا في حرب ضد الإعلام ووزارة اسمها الثقافة، بينما البلد الذي يسير الدبابات في شوارعه وعليها صورة وزير الدفاع قرر التفرغ للحرب ضد الإرهاب «المحتمل».
(4)
«تحقيق النمو الاقتصادي بالتخلص من المؤسسات التي تشكل عبئًا على ميزانية الدولة دون فائدة، مثل مجلس الشورى، وقوات الأمن المركزي وجهاز أمن الدولة، والتصرف فى الصحف القومية، والقنوات التليفزيونية والإذاعية، وتنظيم فوضى تعيين المستشارين».
كان هذا جزءًا من البرنامج الاقتصادي للحرية والعدالة..
لم يحدث شيء من هذا.. الأمن المركزي ما زال يُستعبد فيه البشر بشكل ممنهج.. والصحف القومية وفضائيات الدولة ما زلت تهدر أموال الوطن.. ومجلس الشورى تم تقنينه بدستور الإخوان ثم دستور ما يسمى بـ«القوى المدنية».
الكل أفكاره رائعة قبل أن يصل للحكم.. وبرنامج الحرية والعدالة لم ينفذ منه شيء لأنهم انشغلوا بمعركة ما مع أعداء الإسلام من الكافرين المنافقين.
فماذا رأيتم من الله حتى تدفعوا الناس ليكرهوا شريعته؟
(5)
«زيادة أعداد القضاة لضمان سرعة القضاء»
هكذا كتب في برنامج الحرية والعدالة.. البشر يعانون لسنوات من عدالة بطيئة كسلحفاة، ولكن الأمام الغائب، محمد مرسي، بدلاً من أن يضع نصب عينيه أغنية أنا مش أنانية للأستاذة مريام فارس ويضاعف أعداد المحاكم ويحاول زيادة عدد القضاة اهتم بالصراع مع السلطة القضائية وحاول سن قانون يخفض عدد القضاة الموجودين أصلا.
اللطيف أن البرنامج تضمن «استقلال منصب النائب العام، بإقرار قواعد لانتخابه من مستوى قضائي معين.. وفصل ميزانية القضاء عن وزارة العدل، ليبتعد عن سيطرة السلطة التنفيذية».
الأشياء الرائعة لا تحدث في مستقبل الحكم دون سبب.. من بدأوا بالتصدى لما سموه الحرب على الإسلام كانوا سيكملونها هكذا تمامًا، كما أن من بدأوا بطوارئ وحظر تجول سيكملونها هكذا.
(6)
«التعليم قبل الجامعي يجب أن يوفر الحد الأدنى من الإعداد لسوق العمل.. زيادة مخصصات قطاع الصحة تدريجيًا لتصل إلى المعدلات العالمية».
س: هل سمعت عن أي إصلاح حقيقي أو زادت مخصصات وزارة الصحة؟
ج: أبدًا حضرتك..
«رفع كل الحواجز الجمركية والتأشيرات مع الدول العربية.. الإسراع بتنفيذ مشروع التجارة العربية الحرة كخطوة أولى، ثم الاتحاد الجمركي فالسوق المشتركة وأخيرًا الوحدة الاقتصادية»..
حلم عروبي جميل صيغ في برنامج حزب أعضائه، انتهى بهم الحال للهتاف باسم دولة اسمها غانا في مظاهرتهم..
كان يمكن أن نبدأــ مجرد نبدأــ بخطوات بسيطة مع دول الجوار كتونس وليبيا.. كان يمكن أن يكون هذا الحلم الذي يعيشه المصريون في كيان عربي اتحادي قوي.
كان يمكن.. لكن لا شيء حدث سوى تسويق خطاب طائفي قذر في مؤتمرات مرسي عن «الشيعة الأنجاس».. ومن أراد أن يكون أردوغان فشل كاربكان وانتهى الأمر به كعدنان مندريس.
(7)
«وضع حدود قصوى لرواتب العاملين في الإدارات العليا».
هذا المطلب الذي لم يتحقق حتى الآن كان ضمن البرنامج الاجتماعي للحرية والعدالة.. وفي البرنامج نفسه كتب «انتخاب المحافظين وتطوير شبكة المعلومات بالمصالح الحكومية للقضاء على التعقيد الإداري».
نعرف حلول مشاكلنا.. نجدها في برنامج الحرية والعدالة، بل ربما نجدها في برنامج الحزب الوطني نفسه.. الإصلاح ليس لوغاريتمات.. ولكننا لم نصل لشيء لأنناــ ببساطةــ لم نبدأ.
كل الطرق تؤدي إلى روما.. لكننا نحن من أغلقنا كل الطرق.
(8)
محمود انتحر دون أن يساعده أحد ليجد فرصة عمل.. والشاب الذي التقيته في شارع السد غالبًا يقف الآن بسيارته الميكروباص في أحد كمائن حظر التجول.. وأوبريتات احتفالات النصر تصلح للبروبجاندا وليس لمساعدة 90 مليون كائن بشري.
ويومًا ما.. وأنا على فراش الموت سيقترب أحدهم بوجهه من أذني ثم يهمس «اخرس فنحن في حرب على الإرهاب.. اخرس فنحن في حرب على الإرهاب» سأنظر إليه بهلع وعدم قدرة على الكلام قبل أن ينهض ويستدير بظهره وهو يبتسم بشر.
لأنك شربت الماء وحدك تصرخ الآن وحدك كلنا عطشان ولكن رينو وحده يصرخTop of Form
