صباح الخميس الماضى تظاهر عدد من أتباع الرئيس المعزول محمد مرسى، فى العاصمة الألمانية برلين.. إلى هنا لسنا أمام خبر بالمعنى المفهوم للخبر، فأتباعه لا يتوقفون عن التظاهر على مدى ساعات اليوم، إلى الدرجة التى يكاد معها الواحد منا يتصورهم وهم يتظاهرون أثناء النوم!
الخبر هو أنهم بعد أن مارسوا حقهم فى التظاهر، وبعد أن تركهم البوليس الألمانى يمارسون هذا الحق، قرروا اقتحام مبنى وزارة الخارجية!
وهنا كان على البوليس أن يتدخل سريعاً وأن يجعلهم يفهمون أن هناك فرقاً هائلاً بين الحرية وبين الفوضى، فالحرية فى هذا المقام هى أن تتظاهر كما تحب، بشرط ألا يؤدى ذلك من جانبك إلى الإضرار بحقوق الآخرين، أما الفوضى فهى أن تعتدى على حق هؤلاء الآخرين وأنت تمارس حقك، وهنا تحديداً لا يكون أمام الشرطة بديل آخر إلا أن تتدخل وتلزمك بما لا تريد أن تلتزم به، وهو القانون!
تدخلت الشرطة وطرحت الذين حاولوا اقتحام المبنى أرضاً، ثم أوثقتهم من أيديهم واقتادتهم إلى حيث سوف يعرفون أن التظاهر شىء وأن الفوضى شىء آخر تماماً، ورغم أن الصورة نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية، ورغم أنها طيرتها فى أركان الأرض الأربعة، ورغم أن صحيفة «الحياة» اللندنية نشرتها على ثمانية أعمدة، أى بعرض الصفحة كاملة، فإننا لم نسمع أحداً من الإخوان يعترض على ما جرى.
ولو تصورنا أن ما حدث أمام مبنى الخارجية الألمانية جرى أمام الخارجية المصرية لأقام أبواق الإخوان الدنيا ولم يقعدوها، ولكانوا قد صرخوا يطلبون تدخل المنظمات الحقوقية، لأن الأمن المصرى ظالم ومتجاوز، ولأنه لا يريد أن يسمح لمصريين «سلميين» بأن يتظاهروا، ولكانوا أيضاً قد طيروا الصورة ذاتها التى يبدو فيها أحدهم مطروحاً على الأرض فى برلين ورجل البوليس يقيده، ثم قالوا إن البوليس المصرى ينتهك حقوق الإنسان!
هم طبعاً لم يفعلوا ذلك مع الألمان لأنهم لو فعلوه لكانت الحكومة الألمانية قد وضعت أصبعيها فى عين كل إخوانى محتج على ما حدث، ولكانت هذه الحكومة قد أفهمتهم بكل لغة أن اقتحام المبانى والمنشآت عمل فوضوى لا علاقة له بحرية رأى ولا بحرية تظاهر ولا بحقوق الإنسان ولا بأى شىء قانونى أبداً، وأن الذى يقتحم مبنى، أى مبنى، إنما هو مجرم فى أى قانون من قوانين البشر، وليس متظاهراً تحت أى ظرف!
قلنا هذا، ونقوله، وسوف نظل نقوله لعل كل إنسان فوضوى يدرك أن الشرطة عندما تتصدى له بكل قوة، وإذا ما فكر فى اقتحام المنشآت الحكومية، فهى لا تعتدى أبداً على أى حق من حقوقه كمواطن، وإنما هى تمنعه بموجب مسؤوليتها من التجاوز فى حق الآخرين، أياً كان هؤلاء الآخرون.
كلما قلنا ذلك، وكلما حاولت الحكومة أن تضع قانوناً ينظم ممارسة الحق فى التظاهر ولا تمنعه كما يشاع عن باطل، صاح الذين لا يريدونها دولة، وصرخوا وكأنهم ضحايا، وكأن الذين يتصدون لهم جناة.. مع أن العكس تماماً هو الصحيح كما ترى!