ما زلت أضع يدى على خدى فى انتظار أن يهدأ الحس الجمعى، ويكف عن صيحات التشجيع لصراع الأسد والعبد فى الحلبة، وكلما نظرت إلى ما أسماه باسم يوسف «الحس العام» أتذكّر صرخة إدوارد فى فيلم «بلطية العايمة»: حتلبسى سواد يا بلطية.. سوااااد يا بلطية.. سوااااااد يا بلطية.
لكننى أعرف بلطية جيدًا، وحين يأتى الوقت لتلبس السواد، ستتنكر لمواقفها، وتقول إن الإعلام، والثوار، والمندسين، هم مَن خدعوها، وإنهم هم السبب فى كل ما حدث، تمامًا كما ذهبت بلطية لتنتخب الإخوان فى البرلمان باكتساح، وصعّدت الفلول والإخوان إلى الإعادة فى الرئاسة، ثم اتهمت الثوار، وما أسمتهم «نوشتاء السبوبة» بأنهم هم مَن أوصلوا الإخوان إلى الحكم، بينما كان هؤلاء السبوبة يدفنون جثامين أصدقائهم الذين ماتوا فى محمد محمود، بل إن بلطية كانت تتهمهم بالكفر، لأنهم يكرهون الإخوان الأتقياء الأنقياء بتوع ربنا.
الحقيقة أن صرخات الاستحسان للقتل والاعتقال لن تدوم طويلًا، ولن يتعدّى الأمر بضعة أشهر، إن لم يكن شهرين فقط لا غير. فأداء الداخلية كما هو تمامًا، ولنتذكّر سويًّا، فإن وزارة الداخلية هى مَن أسقطت نظام مبارك، وهى مَن ستسقط أى نظام يعتمد عليها بحالتها هذه.
«ماينفعش الأمن مايشتغلش.. مش كفاية انفلات؟».
أى نعم.. وماينفعش يشتغل برضه وهو بهذه الحالة المزرية من انعدام الكفاءة والتخبط:
يُقتل عناصر الأمن على الحدود، فيقوم بهدم بيوت الأهالى فى سيناء، ولا يتمكّن من إلحاق الضرر بالإرهابيين، تتم محاولة قتل وزير الداخلية، الفاشل الفاشل الفاشل الفاشل، فلا تستطيع الداخلية معرفة الجهة المنفّذة، حتى تخرج عليهم جماعة أنصار القدس، ملاعبة إياهم بفيديوهات، و«منقطة» الرأى العام بالمعلومات، فتقوم الداخلية بقتل مراهق يحمل حقيبة مدرسته على ظهره، ويلوك علكة، ويسير فى تظاهرة تحمل شارة رابعة، يتم الهجوم على كنيسة، فتفشل الداخلية فى معرفة الجانى، وتنتظر معنا فيديو أنصار القدس، وعلّها تقوم بإعادة تحميل صفحة أنصار القدس على الفيسبوك كل فترة، كى تتأكد أنها لم تصدر فيديو جديدًا، فتلجأ إلى تقارير أمن الدولة القديمة، التى اعتمدت على تلفيق القضايا، وتقتحم قرية سواحل كفر البطيخ الفقيرة المعدمة بالمدرعات، وتقبض على العجزة والمرضى بقواتها الخاصة.
كل ذلك ليس به أى جديد، الجديد أن الرأى العام يصفّق، ويشجّع، ويلهث بحماس: هه هه.. عايزين دم. ومن يعترض ويقول: يا جدعان ده ظلم.. إنتو كده بتنفّعوا الإخوان مش بتضرّوهم.. يُتّهم بأنه إخوان، وعميل، وطابور خامس. وسيأتى اليوم الذى يدفع فيه ذلك الرأى العام ثمن لهاثه المتوحّش، بقول آخر: حتلبسى سواد يا بلطية. وبما أننا ننتمى إلى ثقافة لا تثمن الاعتراف بالخطأ أو الاعتذار، ولا تحترم المعتذر، والمتراجع عن خطئه، وتصوّره بأنه «عيّل وبيرجع فى كلامه»، فإن بلطية لن تعترف بأنها أخطأت، بل ولن تقبل بأن تدفع ثمن موقفها، وستلقى بموقفها هذا وتبعاته على أى جهة كانت، ثم تنفرد بالداخلية التى كانت شجّعتها من قبل، وتوسعها ضربًا، وتعطيها علقة مثل العلقة التى أعطتها إياها من قبل. وقد أنعم الله علينا بوزارة داخلية آية فى الغباء، وقيادات سياسية، حجة فى العته، لا أستثنى أحدًا، من السابقين واللاحقين.
كان مبارك يعتمد على وزارة الداخلية لتدجين شعبه، فما كان من داخليته إلا أن أدخلته القفص ليعبث بأنفه، وبعد الثورة، قدّم بعض النشطاء والحقوقيين مشاريع لإعادة هيكلة الداخلية، وهذه المشاريع كان قد أسسها وصممها مجموعة من ضباط الداخلية، لكن جماعة الإخوان المسلمين رفضت رفضًا باتًّا مجرد منح فرصة للحديث فى هذا المشروع، وانتو عارفين بقى، طنطاوى كان بالنسبة إلى الإخوان مثل حنفى بالنسبة إلى أم حميدة: خلااااص، تنزل المرة.. إنما اعملى حسابك المرة الجاية لا ممكن تنزل الأرض أبدًا. وتم تنفيذ رغبة جماعة الإخوان فى عدم مناقشة إعادة هيكلة الداخلية، لأن الجماعة كانت تعلم أنها ستصل إلى السلطة، وبذات الغباء، أرادت تدجين الشعب، بنفس الآليات التى استخدمها مبارك وأسقطته، فسقطوا أسرع من مبارك، لأنهم جوّدوا فى آليات القمع، وحطّوا التاتش بتاعهم، وساقوا عناصرهم لتخدم الداخلية.
وكما أن جماعة الإخوان لم تترك خطأ ارتكبه مبارك لم ترتكبه، فإن الحكم الانتقالى الحالى لم يترك خطأ ارتكبته الجماعة لم يتركبه، ومن فرط حذاقته يريد استعادة نظام مبارك بحذافيره، بل وبمطربيه وممثليه.. طيب رجّعوه تانى وحتقعوا تانى. إياكم أن يغرّكم حب بلطية العايمة، دى وليّة قلّابة، والرأى العام يشجع الظلم ما دام لم يطاله، وما أن يطاله فإنه لن يصمت.. همّ اتنين مالهمش أمان: الشعب المصرى والنسوان.