تابع الشعب المصرى على مدار الأيام الماضية تفاصيل الجريمة الإرهابية التى وقعت أمام كنيسة السيدة العذراء فى الوراق. تابع كل مصرى طبيعى هذه الجريمة بحالة من الحزن والغضب، فالجريمة وقعت أمام كنيسة وضد مواطنين مصريين كانوا يتأهبون لدخول الكنيسة احتفالا بزفاف عروسين من أبنائهم. الجريمة ارتكبها إرهابيان كانا يستقلان موتوسيكلًا. أطلقا الرصاص بشكل عشوائى لقتل أكبر عدد من الموجودين أمام الكنيسة، ليس مهمًا الجنس أو العمر، الهدف هو قتل أكبر عدد ممكن من بشر مسالمين كانوا فى طريقهم إلى الاحتفال بزفاف عروسين، وكان ما كان بعد إطلاق الرصاص، سقط أربعة شهداء، من بينهم طفلتان فى الثامنة والثانية عشرة من العمر. كيف وقعت الجريمة، ومَن الضحايا، وكيف استقبل الأهل خبر استشهاد الطفلتين، وكيف كان حال زملاء الشهيدتين فى الدارسة عندما سمعوا خبر استشهادهما ملىء بالمشاهد الإنسانية المؤلمة التى تزرف معها دموع الإنسان الطبيعى الذى يتعامل مع الإنسان كإنسان، يفرح لفرحه ويحزن لحزنه دون أن يسأل عن جنسه أو دينه أو طائفته. الله استرد أرواح الشهداء، وقادر على أن يلهم أسرهم الصبر والسلوان، لكن السؤال هنا هو ما نوعية هؤلاء الإرهابيين؟ هل هم بشر طبيعيون لهم قلوب تشعر وتحس، هل لهم مشاعر طبيعية، هل يفرحون لفرح الناس ويحزنون ويتألمون لحزنهم وألمهم؟ هل لديهم عقل كباقى البشر الذين خلقهم الله ميزهم الله بأن منحهم بالعقل؟ هل لديهم مشاعر كباقى البشر، تتحرك بالأحداث وتنفعل كسائر البشر الطبيعيين، أم أن عقلهم غير عقل باقى البشر ومشاعرهم تتحرك حسب ديانة وطائفة محل الحدث؟ عقلهم مغلق على مجموعة من الأفكار الثابتة عن العالم والبشر، يرفضون قبول العلم بشكل مطلق، قاصرة على ما تم تلقينهم إياه من أفكار. أما مشاعرهم فهى بداية متحجرة يقتلون الشيخ المسن والطفل الغض بدم بارد، لا يراعون سنا أو جنسا، قتلوا ضباط وجنود قسم كرداسة بدم بارد ومثلّوا بجثثهم، بل هناك من اعتدى بالأحذية على جثث الضحايا دون أن يتوقفوا أمام هيبة الموت ولا حرمة الجثث، ولا تذكروا الأقوال المصرية الموروثة فى التعامل مع جثث الموتى. حاولوا بعد عزل مرسى الانتقام من الشعب المصرى كله عبر سلسلة من العمليات التفجيرية وفشلوا فى ذلك فشلا ذريعا. واصلوا محاولات الانتقام من المصريين، قتلوا خمسة وعشرين شابا مصريا فى مقتبل العمر كانوا فى طريقهم لإنهاء خدمتهم العسكرية، لم يفحصوا بطاقاتهم الشخصية، قتلوهم برصاصات فى الرأس على المشاع.
فى جريمة كنيسة السيدة العذراء بالوراق، ظهرت أفكار الإرهابيين وأخلاقهم، فقد رتبوا لجريمة أمام كنيسة مصرية هى جزء أصيل من تراب هذا البلد، ودبروا لعملية قتل أكبر عدد من المصريين المسيحيين على المشاع، مثلها مثل جريمة نجع حمادى التى وقعت فى ليلة عيد الميلاد عام ٢٠١٠، وكانت بداية سنة رحيل مبارك. فى جريمة كنيسة السيدة العذراء فى الوراق بدا واضحا أن الإرهابى شخص مشوه ومضطرب، فأى إنسان طبيعى يرتب لقتل بشر لا يعرفهم ولم تكن له سابق علاقة معهم، أى إنسان طبيعى يقدم على عمليات قتل على المشاع، أى إنسان طبيعى يسعى إلى قتل بشر لا لشىء سوى أنهم مختلفون عنه دينيًّا أو عقائديًّا، مؤكد أنهم بشر بلا أخلاق وربما يفتقدون إلى كثير مما يسمى البصر ويميزهم.
رغم آلام جريمة كنيسة السيدة العذراء بالوراق، ورغم الحزن الشديد على الضحايا الأبرياء، فإن الأمل عادة ما يولد مع الألم ونقول إن هذه الجريمة كشفت للمصريين جميعا أن الإرهاب بات عدوا للمصريين جميعا، وأن الإرهابيين مثلهم مثل قادتهم خانوا مصر وشعبها، هذا بينما لم يُحمّل الأقباط الجريمة لـ«المسلمين»، بل رؤوا أنها جريمة إرهابيين، ووجهوا بذلك لطمة إلى الإرهاب الأسود الذى عاد ليطل برأسه على مصر، فقد أرادوا من وراء هذه الجريمة قتل أكبر عدد من المصريين الأقباط، ودفع عدد من الأقباط إلى ردود فعل ما بين توجيه الاتهام إلى المسلمين المصريين فتحدث الفتنة، أو طلب الحماية الغربية فيجرى التخوين، حققوا هدفهم الأول بقتل أربعة من الأقباط، ولكنهم لا يعلمون أن هذا الشعب اعتاد تقديم الشهداء فى صمت لأن الله شاء أن يحدث ذلك، أمام الهدفين الثانى والثالث خاب الإرهاب فى تحقيق أى منهما، بل إن ردود الفعل من المصريين والمسيحيين كانت مشتركة وربما موحدة إلا من فئة هامشية فى قلبها مصر.. نسأل الله أن يلمس قلوبهم ويشفى ما بها من مرض.