المستفيد الأول من كل الجدل الذي أُثير حول حلقة «باسم يوسف» الأخيرة هي جماعة الإخوان المسلمين، والمستفيد الثاني هم أعداء «حرية الرأي»، وهم لا يقلون خطراً عن الجماعة المحظورة !
كنت أتوقع أن تسارع القوات المسلحة بتكذيب ما ذكرته مصادر عسكرية – لم تحدد هويتها – عندما أكدت أن «سخرية (باسم) أثارت غضب القادة والضباط والجنود، وأن ما فعله (باسم) لا يتناسب مع حجم عطاء الجيش ودوره في حماية وحفظ الأمن والاستقرار منذ بداية ثورة 25 يناير وحتى 30 يونيو»!
ولا أدري - حتى الآن- كيف بَنَت هذه المصادر العسكرية وجهة نظرها، ولماذا لم يسارع المتحدث العسكري العقيد أحمد محمد علي بنفي هذه التصريحات؟!
فبقدر ما تعتقد هذه المصادر أن الحلقة تضمّنت إيماءات وإيحاءات لا تليق بـ«التضحيات» التي يقدمها رجال القوات المسلحة، بقدر ما هناك من نقاط إيجابية تضمّنتها الحلقة ولم تلتفت إليها المصادر!.
من النقاط الإيجابية – التي يجب التوقف أمامها – تذكير الناس بكلام مرسي عن استعداده للتضحية بمجموعة من الناس في مقابل بقاء المجموع!.. وأيضًا الحديث الساخر لـ«الجنرال» صفوت حجازي الذي طالب بإغلاق القنوات المعارضة للإخوان – أو المشروع الإسلامي كما يزعمون – حتى وإن تطلّب الأمر إغلاق شركة «نايل سات» نفسها..! الناس كانوا يحتاجون لمن يُذكّرهم بعجائب ومساخر عام كامل من حكم الإخوان وجماعتهم وعشيرتهم .. الناس كانو يحتاجون لمن يُذكّرهم بالصخرة الضخمة التي كانت جاثمة على صدر مصر.
الأغرب هم المزايدون والمروّجون والطبّالون الذين أصابهم بعض «طلقات السخرية»، وبدلاً من أن ينظروا إلى سقطاتهم، سارعوا بتوجيه الاتهامات لـ«البرنامج» في إطار ما سموه الدفاع عن الفريق أول عبد الفتاح السيسي..
في اعتقادي أن الحلقة الأخيرة من برنامج «البرنامج» أضافت للفريق أول «السيسي»، ولم تنل منه على الإطلاق وقدمت نموذجًا لاحتفاء الناس به وبشخصه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه – وبقوة – هل قادة ثورة 30 يونيو وحُماتها لديهم استعداد لتقبل النقد؟ .. نحن أمام برنامج كوميدي ساخر أتاحت له ثورة يناير الظهور والاستمرار، ولعب دورًا مؤثرًا ومهمًا في التمهيد للزحف البشري – غير المسبوق – في ثورة 30 يونيو.
قبل ثورة يوليو 1952، وجّهت الصحافة المصرية أعنف الاتهامات لحكومة الوفد ورئيسها مصطفى النحاس باشا وزوجته السيدة زينب الوكيل ووزير داخلية فؤاد باشا سراج الدين، وتطوّع النائب «استيفان باسيلي» بتقديم مشروع لتغليظ عقوبات النشر في «قانون العقوبات» .. وأثناء مناقشة المشروع في مجلس النواب، وقف النائب الوفدي الدكتور عزيز فهمي صارخًا ومتسائلًا: «كيف تكون حكومة الشعب التي تنادي بالحريات.. معولاً تهدم به الحريات»؟! .. واضطر «باسيلي» أمام الضغط الشعبي لسحب المشروع.. وعندما سأله الصحفيون عن السبب لم يجد إجابة مقنعة.. وقال: «العذراء جاءتني في المنام وقالت لي اسحبه»!
في أقل من 3 سنوات، شهدت مصر ثورتين نادتا بالحرية، وإذا كان جيش مصر قد اقتحم السياسة، فعلى حُماة الوطن أن يتقبلوا النقد.. فكما حموا الثورة عليهم أن يحموا الحرية المهددة.. وليس تهديد «باسم»!.