سنحكى حكاية هذا الدستور كثيرا..
لا بد أن ننوه أولا أننا نراه دستورا مؤقتا، لأنه ما زال أسيرا لمن يتعامل على أنه كعكة، أو تورتة يقسمها حسب الحصص.
ورغم أن أسلوب المخابز ظهر فساده، والبلد ليست كعكة، فإنه ما زال لدينا قوى فى السلطة تريد تجربة حظها فى خبز الدستور وعجنه.
هذا تنويه ضرورى، لأن الحكاية مع الدستور لم تبدأ الآن، كما أن المعضلة فى بنية الدولة لم تكن من اختراع مبارك ولا تصدير المجلس بعسكرى لا لعبة فى يد الإخوان، إنها لعنة تتوارثها سلطة تتخيل أنها محل ألف صنف وصنف، وهو نوع من محلات الخردوات كان يبيع كل شىء، ولا شىء فى نفس الوقت، ستذهب عنده متوقعا أن تجد ما تريده فتخرج من بوابته الأخرى محملا بأشياء أخرى.
والخردوات كانت تليق بدولة تريد أن تحكمنا بالمنطق المملوكى، أى الغالب راكب، وفى نفس الوقت تكون تعبيرا عن «الشعب»، وديمقراطية أى تتداول فيها السلطة وفق ما تقوله الصناديق.
بنفس المنطق هى دولة حديثة، تقوم على التعدد السياسى والثقافى والدينى، وفى نفس الوقت إسلامية أى تلغى التعدد، وزاد الإخوان فى سَنَتِهم الملعونة إلى الألف صنف صنفا جديدا هو دولة الفقهاء فأصبح لها مادة يتفاوض عليها حزب، أسسته جماعة سلفية ضد الأحزاب والسياسة والديمقراطية، يفاوض هذه الجماعة السيد عمرو موسى القادم من زمن مبارك بتجميعه أنصاف (نصف ابن دولة مبارك + نصف متمرد أو غير مستفيد للنهاية من دولة مبارك + إصلاحى + دبلوماسى + مفاوض مع الإخوان أو غيرهم…).
بهذه الحنكة فى خردوات الدولة يتفاوض السيد عمرو مع الحزب الذى هو ضد الدولة والسياسة والديمقراطية والدستور على بقاء نص مادة تخص دولة الفقهاء، بينما يفاوضه موظف عسكرى كبير على بقاء مادة كان الإخوان قد منحوها هدية فى دستور 2012 وتدستر بها محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، لماذا؟ وهل أثرت كل المحاكمات العسكرية للمدنيين فى حماية الجيش، أو حتى السلطة؟ فالإخوان والجماعات الإسلامية عاشت رغم محاكمتهم عسكريا، ولم يبق من هذه المحاكمات سوى قهر المواطن ومنح مزيد من السلطة أو الحماية للمؤسسة العسكرية.
ماذا تفعلون إذن فى الدستور؟
هل توزعون الحصص كما فعل الإخوان؟
فعلا؟
هل تخبزون الدستور فى نفس المخبز، لكن لصالح سلطة أخرى؟
وهل توزعونه حصصا على ما لن يفعلوا شيئا بهذه الحصص، ويكتفون فقط بإرضاء الغرور، وممارسة هذا القهر على مجموعات من مريدين أو ضحايا؟
هل تتصورون أن هذا الدستور يمكنه أن ينفع أحدا عندما تدخل مصر عداد الدول الفاشلة، وهذا هو المتوقع عندما تسخن المخابز، وتسن السكاكين لتوزع الأنصبة، وتؤسس الدولة على كتالوج السلطة أو ما تبقى منها أو من نوازعها المتوارضة فى السيطرة وتحويل الشعب إلى مجرد كورس، قطيع؟
كيف تفكرون؟
ألم تمر على رؤوسكم مرة واحدة أن طريقة التفكير القديم كله فاسدة، وأن الحصص والأنصبة طريقة فاشلة؟ وألم يدخل الهواء إلى العطن فى عقولكم لتكتشفوا أن المستقبل لا يصنع بتكرار نفس الأسلوب الذى أقام العفن فى الدولة وجعلها تشبه محل خردوات قديما لا تجد فيه إلا الحشرات والأفاعى؟
ماذا لديكم لتكسبوه فى دولة تسيرون بها إلى الفشل من جديد؟
وأساسا ماذا لديكم.. لتفسدوا حياتنا كل هذه السنوات؟