يعرض مساء اليوم فى مهرجان «أبو ظبى» السينمائى فى دورته السابعة ممثلًا للسينما المصرية داخل المسابقة الرسمية فيلم المخرج أحمد عبد الله الروائى الثانى «فرش وغطا» بعد أن شاهدنا له قبل ثلاث سنوات فيلم «الميكروفون»، شاهدت الفيلم فى عرض محدود قبل أيام، ولهذا سوف أحتفظ برأى حتى أراه مجددًا مع الجمهور، فأنا لا أعترف بتلك المشاهدات الخاصة التى تخصم كثيرًا من متعة المشاهدة.
إلا أن السؤال وبعد هذا الكابوس المزعج الذى عشناه مع أفلام العيد ونجومه سعد الصغير والليثى وأوكا وأورتيجا، هل يسعد الفنان بأن تحقق أفلامه مع الجمهور أعلى الإيرادات أم أنه ينتظر أن تحصد الجوائز؟ هل توجد مواصفات خاصة لأفلام المهرجانات تحيلها إلى مادة غير صالحة للتعامل الجماهيرى؟
لو اخترنا مثلًا أكثر الأفلام فى العام الماضى حصولًا على جوائز أقصد «حب» النمساوى للمخرج ميشيل هانكة، صاحب نصيب الأسد، بدأت مع «سعفة كان» 2012 ومرورًا بجوائز «سيزار» الفرنسية التى تقابل «الأوسكار» ثم تم تتويجه بجائزة أفضل فيلم أجنبى فى «الأوسكار»، ورغم ذلك عندما سألوه عن شعوره بكل هذه الجوائز أجابهم أن إقبال الجمهور على الفيلم أهم جائزة ينالها المبدع، وهو ما تحقق للفيلم بعد عرضه تجاريًّا.
لا يزال تعبير «أفلام مهرجانات» يتردد بين الجمهور وأيضا النقاد على اعتبار أن هناك أفلامًا يحرص صناعها على أن يقدموها للمهرجانات، دون أن يضعوا فى المعادلة الجمهور، هدفهم الأول والأخير جائزة المهرجان!
ورغم أن الأمر به قدر لا ينكر من الصحة عند بعض السينمائيين الذين عندما ينكرهم الجمهور ولا يقبل على أفلامهم يقولون إنهم ينتظرون حكمًا آخر وهو المهرجانات والنقاد، مما أدى إلى أن يظل هناك خط فاصل وبون شاسع بين أفلام الجمهور وأفلام المهرجانات، ولو تتبعت فى العقد الأخير أكبر المهرجانات مثل «كان»، ستكتشف عند اختيارهم الأفلام المشاركة داخل مختلف التظاهرات أنه لا تستهوى حاليا بالدرجة الأولى القائمين على المهرجان التجارب السينمائية المعزولة عن الجمهور، لكن هناك أيضا الحس الجماهيرى الذى باتت يتمتع به عدد من الأفلام المعروضة!
المسافة تقلصت أو فى طريقها، بين الأفلام التى يقبل عليها الجمهور والأخرى التى لا تقبل عليها إلا المهرجانات بالجوائز التى تنهال عليها وأقلام النقاد بعبارات المديح والإطراء، ثم من قال إن أفلام الجوائز تخلو من الحس الجماهيرى؟! لديكم مثلا فيلم «تيتانيك» أو «مليونير العشوائيات» الحائزين على الأوسكار 98 و2009، حققا نجاحًا جماهيريًّا ضخمًا واستثنائيًّا فى مختلف دول العالم!
وفى تاريخنا السينمائى المصرى مثلًا عدد من الاستثناءات، وهى تلك الأفلام التى ناصبها الجمهور العداء بل وقصف دار السينما بالحجارة احتجاجًا عليها، بينما انتصر لها بعض النقاد وعدد من المهرجانات، أتذكر على سبيل المثال «باب الحديد» ليوسف شاهين الذى أخرجه عام 58، لأن الجمهور عندما لمح اسم فريد شوقى على أفيش السينما اعتقد أنه بصدد فيلم «أكشن»، لكنه اكتشف بعد ذلك أن البطل الحقيقى هو يوسف شاهين الذى لعب دور «قناوى»، بينما فريد شوقى الذى أدى دور «أبو سريع» كان بطلًا ثانيًا، ومع مرور السنوات أصبح «باب الحديد» فيلمًا جماهيريًّا يقبل عليه الجمهور عندما يعاد عرضه فى التليفزيون، بل إن هذا الفيلم -الأبيض والأسود- عرض قبل عشر سنوات عرضًا تجاريًَّا فى فرنسا، وحقق أرباحًا تجاوزت 100 ضعف ميزانية إنتاجه.
أذكر أيضا الفيلم الاستثنائى وأعنى به «المومياء» لشادى عبد السلام عام 69، الذى يعد تحفة سينمائية بكل المقاييس وحقق للسينما العربية وجودا فى كل المحافل السينمائية الدولية، وأعيد ترميم النسخة وعرض فى مهرجان «كان» قبل أربع سنوات فى قسم «سينمات العالم»، وألقى المخرج مارتن سكورسيزى محاضرة عن إبداع شادى، لا يزال فيلم «المومياء» فيلمًا نخبويًّا بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، لأنه يحمل لغة سرد لم يتعود عليها المشاهد، لكن لو أتيحت له عروض عبر الفضائيات، فأنا أراهن أنه قادر على أن يمس الوجدان!
المسافة التى كانت شاسعة بين أفلام المهرجانات وأفلام الجمهور باتت أو كادت تنحصر فى تلك التجارب التى تحمل روحًا تجريبية، لكن يظل أن الجمع بين الحسنيين الجمهور والمهرجانات ليس مستحيلا!