■ العبد لله يملك من الشجاعة (أو الحماقة) ما يكفى لأن يعلن الآن على الملأ معارضته واختلافه الشديد مع كل هؤلاء القوم الذين اعتبروا أنهم عثروا على فضيحة مدوية ومكتملة الأركان فى ذلك الخبر الذى أنبأ الناس فى الدنيا شرقا وغربا بأن الشاعر القطرى محمد بن الذيب العجمى عوقب بالسجن 15 عامًا فقط لأنه، أولًا تَجرَّأ وتجاسر وضيَّع وقت الإمارة الثمين فى كتابة قصيدة رغم أنه كان بمقدوره تضييع هذا الوقت فى صنع «حلة محشى كرنب» لذيذة، ثم أنه ثانيًا تسبب بهذه القصيدة فى حدوث معجزة كونية نادرة تمثلت فى نجاح أمير البلاد السابق (والد الأمير الحالى) فى تشغيل عقله قليلا حتى أدرك و«فهم» لوحده، أو بمساعدة بسيطة من جيوش مخبريه وعسسه، أنها تحتوى على شىء من الغمز واللمز فى نظام حكم سموِّه.
طيب، لماذا أنا أعارض هذا الرأى ولا أرى أية فضيحة البتة فى الخبر المذكور؟! لسببين على الأقل: أولهما أن «حلة المحشى» ربما كانت البديل الآمن والأفضل والأفيد فعلًا لإمارة عربية يعيش أهلها الأشقاء من سنين طوال وهم يكابدون وجع الانحشار بين عاهتين وطنيتين وقوميتين مرعبتين وثقيلتين جدًّا.. قاعدة «السيلية» الأمريكية من جانب، و«فضائحية الجزيرة» مباشر من مقر الموساد الإسرائيلى، من الجانب الآخر!
فأما السبب الثانى لمعارضتى جحافل المتضامنين مع الشاعر محمد العجمى، فخلاصته أن الرجل جرى التعامل معه بكرم ودلع زائدين على الحد حقًّا، ويكفى هنا تذكير الجميع بحقيقة أن خبره وقصيدته كليهما لم يأتِ لهما ذكر فى «فضائحية الجزيرة»، وهذا والله شرف وتكريم عظيمان، فضلا عن أن عقابه اقتصر على السجن 15 سنة فحسب، مع أن عقوبة الإعدام والقتل الناجز كانت أقرب للعدل والإنصاف فى حالة شعرية خطيرة من هذا النوع!
أقول قولى هذا، وأنا أتفهم وأحترم دواعى وأسباب بعض الذين يظنون أن إعدام أخينا الشاعر والتعجيل بإرساله إلى الآخرة لكى يلاقى هناك وجه رب كريم، ربما كان أرحم من إبقائه على قيد الحياة فى سجن إمارة الخيانة والسفالة والظلام!
■ وسأغتنم فرصة نوبة الشجاعة والحماقة التى أصابتنى فجأة وأنا أحتشد لكتابة هذه السطور، لكى أصارحك عزيزى القارئ بأننى لم أفعل مثلك ولم أفطس من الضحك عندما قرأت خبر البيان الذى أصدرته «عصابة الشر» أول من أمس بعد مرور نحو أسبوع كامل على جريمة قتل وجرح مواطنين مصريين أبرياء بالرصاص بينما كانوا يحتشدون أمام كنيسة فى حى الوراق للمشاركة فى عرس انقلب مأتمًا فى ثوانٍ معدودات، فرغم أن البيان نفى مسؤولية العصابة الإخوانية عن اقتراف هذه الجريمة الرهيبة الخسيسة، ورمى بـ«الافتراء» كلَّ هؤلاء الذين استعملوا عقولهم ورجحوا أنها واحدة من مسلسل الفظائع اليومية التى يرتكبها حلف الأشرار الذى تقوده حضرتها.. بل ورغم أن المجرم المتذاكى كاتب هذا البيان ادّعى أن ثلاثة من أعضاء العصابة كانوا ضمن الجرحى ضحايا الهجوم (من دون أن يتكرم ويبلغنا باسم واحد منهم)، فإننى بقيت صامدًا أقاوم القهقهة والضحك.. لماذا؟ لأننى أوشكت أن أصدق فعلا أنهم من فرط الغباوة الإجرامية أرسلوا فعلًا ثلاثة مغفلين من عندهم إلى الكنيسة المنكوبة لكى يموتوا أو يُجرَحوا هناك مع المقتولين والمجروحين، ومن ثم تتوفر ذريعة و«فرصة سعيدة» تسمح بكتابة «البيان» سالف الذكر!