فى مهرجان أبوظبى توقعت أن السؤال الأول الذى يصبح لزامًا علىَّ الإجابة عنه، وذلك قبل أن تبدأ الفاعليات وتسرق أفلام المهرجان الاهتمام، هو: ما رأيك فى تردِّى مستوى أفلام العيد؟ هكذا عاش الإعلام المصرى فى آخر أسبوعين وهو يبحث عن تلك الإجابة فى مختلف القنوات، إلا أن السؤال الذى لم أتوقعه هو: ما تعقيبى على توابع زلزال هزيمة المنتخب المصرى وتلك الأفراح التى أقامها عدد من المنتمين أو المتعاطفين مع الإخوان؟
مع الأسف أشياء عديدة كان من المفترض أن يتجمع حولها المصريون باتت تؤدى بهم إلى مزيد من الفُرقة والانقسام، حتى الأغنية التى كان كل المصريين يرددونها معًا أصبحت أداة للتناحر، يكفى أن ترصد كَمّ الصراعات التى تنشب فى الشارع حول أغنية «تسلم الأيادى» التى أدت أحيانا إلى جرائم قتل متبادَل.
الصراع صار ممتدا بقوة خارج حدود مصر وفى كل المجالات. قبل أيام تابعنا نور الشريف فى باريس وهم يهددونه بالسحل من قِبل بعض المنتمين إلى الإخوان حتى لا يلقى كلمته فى افتتاح ندوة حملت عنوان «وجه مصر المشرق»، وقبلها الكاتب الروائى علاء الأسوانى تم منعه من استكمال ندوته عن روايته الجديدة «نادى السيارات» أيضا فى عاصمة النور.
قبل عشرة أيام عشنا تلك المهزلة الكُروية التى انهزم فيها الفريق الوطنى المصرى بهزيمة قاسية يقول خبراء الكرة إنها لم تحدث للمنتخب المصرى إلا قبل 90 عاما على يد فريق إيطالى.
الهزيمة الكُبرى لم تكن فى الأهداف الستة التى منيت بها الشبكة المصرية، ولكن فى تداعيات ما حدث فى أثناء المباراة وبعدها، حيث هلَّل المنتمون إلى الإخوان مع كل هدف يهزّ المرمى ويطيح بحلم المصريين للوصول إلى المونديال، هل هم حقًّا يكرهون وطنهم إلى هذا الحد؟ هل من الممكن أن نصدق أن هناك من يتمنى اغتيال الفرحة من وجوه المصريين، كل شىء فى حياتنا منذ ثورات الربيع العربى صار مغموسا بالسياسة، بل إن البعض أصبح يراهن مسبقا على أن الفنان عليه أن يختار موقفه الفنى تبعا للتوجه السياسى، فهو فى نظر البعض إذا أحيا حفلا مثلا فى الدوحة فهذا يعنى أنه ضد ثورة 30 يونيو، لماذا صرنا متورطين سياسيًّا إلى هذا الحد؟
هذا التداخل بين السياسة وأشياء أخرى مثل الفن والثقافة والرياضة ليس وليد هذه الأيام، تعودنا عندما يكسب الفريق الكروى أن يتم إهداء النصر إلى الرئيس، حدث ذلك كثيرا مع حسنى مبارك وكان الفريق يعتبر أن الانتصار هو رد فعل لرعايته واتصاله التليفونى قبل دقائق من المباراة.
لو كسب الفريق يصبح حضور الرئيس فأل خير وفى حالة الهزيمة يتحمل المدير الفنى والمدرب واللاعبون وحدهم لعنات الهزيمة، حسنى مبارك كان هو أكثر الرؤساء العرب حبًّا للكرة، لقد استقبل قبل سنوات فى المطار المنتخب المصرى عندما كسب كأس إفريقيا ولم يفعلها من قبل لا مع أحمد زويل أو محمد البرادعى عندما حصلا على «نوبل».
قطع الخط الفاصل بين تلك الدوائر ربما لعب دورا فى ما حدث مؤخرا وصارت الهزيمة الكروية فرصة للتلسين وتبادل الاتهامات، واعتبرها الإخوان رسالة من السماء.
هل الساحرة المستديرة تتحمل كل هذه الصراعات؟ مَن الذى استغلّ مباراة كرة فى تصفية حسابات نزاع سياسى، يبدو أننا أصبحنا خاضعين لنظرية نيوتن «لكل فعل رد فعل مساوٍ له فى القوة ومضاد له فى الاتجاه»، شاهدت بعد المباراة مباشرة اثنين من قدامى لاعبى المنتخب القومى وهما يؤكدان أن تعويض الهزيمة فى مباراة العودة بين مصر وغانا ممكن يوم 19 نوفمبر، لكنه مرهون فقط بأن يحضر الفريق أول عبد الفتاح السيسى المباراة وبمجرد أن يتطلع إليه اللاعبون فى المدرجات من الممكن فى دقائق أن يحرزوا خمسة أهداف نظيفة تكفى لتحقيق حلم المصريين فى الوصول لكأس العالم رغم أنف الإخوان، وهكذا عشنا ولا نزال فى توابع زلزال تلك المباراة، لتبدأ بعض ساعات قليلة من كتابة هذا المقال فاعليات المهرجان، والسؤال: ماذا لو حصلت السينما المصرية على جائزة «أبوظبى».. هل يُغضب ذلك الإخوان؟