رغم أنف حملة المقاطعة التى شنها «مثقفون» ضد المنتج السينمائى محمد السبكى، حقق فيلمه «عش البلبل» أعلى إيراد شباك، خلال عيد الأضحى. شئنا أم أبينا، معنى ذلك واضح. المثقفون كعادتهم فاشلون فى مخاطبة الرأى العام. يوجهون الرسائل الخطأ للشخص الخطأ فى التوقيت الخطأ. الدولة، من جهتها، غائبة. الثقافة معطلة. والتعليم فى خبر كان.
لم أكن من البداية متحمسة لهذه الحملة. أرفض فكرة الحجب والمنع والمصادرة. ليس دفاعا عن هذه النوعية من الأعمال، مع احترامى لوجهة نظر من يرون أنها تعبر عن شريحة موجودة بيننا، إنما إقرار بغياب دور المثقفين والدولة، على حد سواء، فى الارتقاء بالذوق الفنى العام، ورفع درجة الوعى الجماهيرى.
هذه الأفلام التى أراها ككثيرين منكم «مبتذلة»، وأربأ بابنى عن مشاهدتها- دخلها شباب تعلموا فى مدارس حكومية تعتبر الرسم والموسيقى حصصا إضافية، ووقتا ضائعا، ومواد غير أساسية لا تحسب فى المجموع. هذه الأفلام تعكس سلوكيات وألفاظ شريحة نسميها «البلطجية». هؤلاء لم يولدوا وفى يدهم «مطواة»، لكنهم نتاج تهميش حكومى، واستعلاء طبقى، وإهمال مجتمعى، لشعب يدعى التدين، ويرفع شعارات التضامن والكفالة والعدالة الاجتماعية.
وللأسف، يشكلون قطاعا كبيرا، ويعمرون دور السينما فى مواسم العيد الزاخرة بأفلام السبكى وما شابهها. أما أفلام قـيّمة من نوعية «عن يهود مصر» فلم تعرض إلا فى سينما واحدة فى موسم ميت، ولم تستمر أكثر من بضع أسابيع لضعف الإقبال، ولعلك لم تسمع عنه من الأساس. ليس دفاعا عن السبكى، بل إشفاقا عليه ممن يطالبونه بإنتاج أفلام تتحدث عن تاريخ مصر! يطالبون الرجل بما يفوق حدود وعيه أساسا. لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. الرجل حرفته التجارة، وسلطانه الإيرادات. وعلى من يتحدثون عن الفن والثقافة والتاريخ أن يوجهوا رسائلهم للجهات المنوط بها ذلك.
فى دولٍ سبقتنا بمراحل، لا تُحجب الكتب الرخيصة أو الأفلام الهابطة، بل يتعلم كل طفل فى البيت والمدرسة الفرق بين الراقى والردىء، ثم تُترك الساحة مفتوحة للجميع، لكل تاجر بضاعته، ولكل مواطن خياراته.
نحن لا نعيش فى مدينة فاضلة، بل أرض يتصارع فيها الخير والشر. نسمى الماضى «الزمن الجميل»، لأن الراقى انتصر فيه على الردىء. الآن نعيش زمنا قبيحا بسبب غياب التعليم والمثقفين. الحل ليس فى المنع والمصادرة، بل المنافسة الشريفة لرفع وعى الزبون فى سوق مفتوحة. أليست هذه هى الليبرالية التى قرأنا عنها صغارا أيها المثقفون؟!