«هذا السؤال يسنح فى نفوس الكثيرين.. كما أن هناك سؤالاً أهم وهو التالى: ما تأثير هذه الواقعة التى كان مسرحها معهد العالم العربى فى قلب باريس على الجالية المصرية التى كانت تعرف فى وسط الشرطة الفرنسية بأنها جالية مسالمة لا تميل إلى العنف ويقل عدد رواد السجن فيها إلى نسبة لا تكاد تذكر.. دلالة على شهادة حسن السير والسلوك التى تتمتع بها..».
لقد أخطأت الجالية المصرية البالغ عددها نحو 150 ألف مصرى فى جميع أنحاء فرنسا «يستوطن معظمهم باريس ـ العاصمة» عندما سمحت لنفر منها لا يزيد عددهم على 50 شخصياً يعملون فى أسواق الخضار وسوق الريجيس الكبير بأن يمثلوا الجالية المصرية فى عمومها.
ولمن لا يعرف أن الجالية المصرية حديثة نسبياً إذا ما قورنت بالجالية المغاربية أو اللبنانية.. لكنها تضم شرائح مختلفة إذ يعمل عدد كبير منها فى المطاعم ثم سوق المعمار (بناء أو بياض) ثم السوق ـ ومعظمهم من قرية معين بدر حلاوة فى الغربية.
وأخيراً هناك نسبة من دارسى القانون والمبعوثين فى حقل الدراسات الاجتماعية.
والحق يقال إنهم منقسمون على ذواتهم، فكل شريحة تحاول أن تفرض نفسها على الشريحة الأخرى.. وليس صدفة أن الجالية المصرية لا يمثلها أحد حتى الآن على الرغم من وجود ما يسمى باتحاد المصريين، والاتحاد النوبى واتحاد الدارسين.. لكن كلها اتحادات هلامية لا معنى لها فى الوقت الحالى.
ونحن هنا لا ننتقد أحداً بقدر تصويرنا للواقع كما هو.. ولو كانت هذه الاتحادات فاعلة لما حدث ما حدث فى معهد العالم العربى فى باريس.. ولما ذكرتنا حادثة الاعتداء على الأديب علاء الأسوانى باعتداء آخر كان بطله الأديب العالمى نجيب محفوظ.. أما الطرف المعتدى ـ ويا للغرابة ـ فكان جاهلاً ينتمى لتنظيم الإخوان.. أيضاً!
أريد أن أقول إن هذا النفر الذى ملأ قاعة الندوات بمعهد العالم العربى فى باريس جلبة وصخباً بعث رسالة من أسوأ الرسالات التى يمكن أن تبعث عن شعب، وهى أن الشعب المصرى منقسم، وهمجى، وغير متحضر، وأنه يعانى من العنف والإرهاب فى الداخل، ويريد أن يصدر هذا العنف إلى الخارج.. وقد نجح للأسف الشديد فى ذلك.. لكننى فى كل الأحوال.. أشعر أن عندى أكثر من سؤال أود أن أطرحه على أولئك الذين هاجموا الأسوانى، وسبوا الجيش المصرى.. وادعوا أنهم مع الإخوان.. وأقول: هل هناك من يحاول أن يقنعنى بأن هؤلاء النفر متمسكون بدينهم وأنهم صلوا الصبح أو الفجر قبل أن يعتدوا على الأسوانى؟.. أشك كثيراً فى أنهم فعلوا ذلك..
السؤال الثانى: من قال إن هذا النفر الشاذ يمثل الإسلام، وغالبية الشعب المصرى ملاحدة وزنادقة وكفرة ولا يمتون للإسلام بصلة؟
إن ما حدث للأسوانى هو استمرار لذبح المبدعين أو على الأقل تخويفهم منذ محاولة الاعتداء على الإمام محمد عبده (الذى توفى عام 1905) أو نجيب محفوظ وأحمد عبدالمعطى حجازى وقبلهما يوسف إدريس وتوفيق الحكيم.
إن هذا النفر لا يمثل ـ بحق ـ الجالية المصرية التى أكد أكثر من شخص فيها أنهم كانوا يعلمون بالمؤامرة التى تحاك ضد الأسوانى.. وأنهم كانوا يعرفون أن بعض الأشخاص أرسلوا إليهم التى شيرتات مجاناً.. إضافة إلى كلمة السر والتخطيط والتصوير لذلك الحدث.
إن السفارة المصرية بذلت جهداً كبيراً فى توضيح الصورة، وأكدت أن مصر هى بلد الأمن والأمان، ثم جاء هذا النفر العاق فحول عمل السفارة إلى تخويف ورعب وإرهاب، فكأن تنظيم الإخوان ـ فى الداخل والخارج ـ لا يريد سوى إسقاط هيبة الدولة.. لكن هيهات؟!
* رئيس الجالية المصرية الأسبق فى باريس