يا فرحة طلاب كليات الحقوق فى كل الجامعات فى الأعوام القادمة!.. سيتم إلغاء كل القوانين سواء الجنائى أو المدنى أو التجارى أو الإدارى.. لن يدرسوا مادة «الالتزامات» وكتابها حوالى ألف صفحة.. فقط.. فقط.. ستتم دراسة الدستور الجديد الذى يحوى حتى الآن 250 مادة مطولة، ومن المتوقع أن يصل إلى 300 مادة، فقد تضمن الدستور الجديد كل شىء.. حتى قانون استقلال القضاء الذى وضعه صبرى باشا أبوعلم عام 1942 الذى نظم القضاء المصرى لأول مرة، ومنحه الاستقلال التام عن الدولة وحصانة القضاة المطلقة.. وفصل بين سلطات القضاء المختلفة.. حتى هذا القانون لم يسلم من النص عليه فى الدستور.. وأفتى بعض أعضاء لجنة الخمسين بما لا يعرفونه ولم يدرسوه، فوقعت المشاكل التى نراها الآن.
والمشاكل لن تنتهى.. لأن الذين لم يدرسوا، ولم يعرفوا يخترعون نصوصاً غير قانونية ولا دستورية، وفقهاء وأساتذة وعلماء القانون والدستور فى منازلهم، وعندما يعلمون بشىء ما يعترضون ويثورون ويتوقف العمل!!
هل من المعقول أن لجنة الخمسين ليس من بينهم ولو بعض أساتذة القانون الدستورى!! نعم هناك بعض رجال القانون.. بل من بينهم نقيب المحامين نفسه.. ولكن هناك فرقاً كبيراً بأن تكون أستاذاً دارساً متفقهاً فى العلم حاصلاً على ماجستير ودكتوراه ودارسا كل القوانين المقارنة فى كل دول العالم.. وبين حفنة خريجين لكلية الحقوق تمارس المحاماة أو تعمل فى سلك القضاء «فرق كبير».
وإذا أردت مثالاً.. الدكتور إبراهيم درويش، أستاذ القانون الدستورى سابقاً.. وضع دستور تركيا منذ شهور!! استدعته تركيا ليضع دستورها الجديد بمعاونة بعض أساتذة جامعات تركيا لمجرد إرشاد الدكتور درويش باتجاه الدولة وسياستها!!
كنا نعيب على دستور 1923 أنه يحوى 170 مادة وإن كان أستاذنا الدكتور سيد صبرى، أستاذ القانون الدستورى فى كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول، فى الأربعينيات والخمسينيات.. كان يقول لنا إن اللجنة التى وضعت هذا الدستور معذورة.. لأنها تضع أول دستور لدولة مستقلة وكان لابد من وضع أسس هذه الدولة الجديدة والقواعد التى ستحكمها.. خاصة مع وجود احتلال إنجليزى وامتيازات أجنبية.
ثم بعد هذا الزمن الطويل.. من عام 1923 إلى عام 2012 تضع مصر دستوراً يحوى 236 مادة اعتبرناه كارثة دستورية وقعت فى جنح الليل قبل صلاة الفجر وبعد الصلاة! فإذا بخارطة الطريق تنص على تعديله لا إلغائه!! ونغضب، ونسكت على مضض، فإذا بلجنة الخمسين تصنع دستوراً سيصل إلى 300 مادة!! أتحدى لو كان فيه قانون لا دستور يحوى هذا العدد من المواد.. رغم أن الدستور عادة يكون كما تعلمنا من أستاذنا الدكتور سيد صبرى تكون مواده قليلة جداً و«إرشادية».. المادة سطر أو سطران لتضع الأساس، والباقى فى القانون المنظم.
هل نحن فى زمن لا يسمح بوضع دستور جديد بهذا البطء وهذا الخلاف وهذا الجهل؟.. دستور مرشح للسقوط فى الاستفتاء.. وإذا مر من الاستفتاء بالعافية.. أو لأن الناس زهقت من عدم الاستقرار.. إذا مر من الاستفتاء، فهو مرشح للحكم بإلغائه.. مرشح بمن سيقرر إلغاءه ووضع دستور محترم يليق بتاريخ مصر!! ولك الله يا مصر.