أزعم أنى رياضى، فأنا أمارس رياضة الجرى الهادئ منذ أكثر من أربعين عامًا.. أحمَد الله أنى قطعت خلال هذه المدة مسافات يساوى مجموعها دورتين كاملتين حول الكرة الأرضية!
بفضل الله، نشأت فى بيئة ثقافية، جعلتنى أدرك مبكرًا القيم الحقيقية للأشياء، علمت أن الرياضة تفيد الإنسان بدنيًّا وذهنيًّا ونفسيًّا، فتمسكت بها، وبالانتظام فى ممارستها فى الصباح الباكر، ثلاث أو أربع مرات أسبوعيًّا، متبعًا قول خاتم المرسلين- صلى الله عليه، وسلم-: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلّ»!
لست بطلاً رياضيًّا، ولم أكن كذلك فى أى مرحلة من مراحل عمرى، ولكنى أعتز بالتزامى تجاه نفسى، وحرصى الدائم على دعوة الآخرين لممارسة أى نوع من أنواع الرياضة بانتظام، ووفقًا لما هو متاح لكل منهم من وقت، وفراغات، أو أدوات.. وأتذكر هنا الحملة المكثفة التى طرحتها فى نهاية ثمانينيات القرن الماضى لتشجيع «نط الحبل»، كوسيلة رخيصة وفعالة جدًّا لممارسة الرياضة للجميع، اللهم إلا هؤلاء الذين يعانون من مشكلات فى المفاصل أو العمود الفقرى أو غيرها من الأمراض التى تفرض قيودًا حركية.. شفاهم الله جميعًا!
أنحاز انحيازًا غير محدود للبعد الأخلاقى للرياضة، وهو ما دعانى لتخصيص جائزة سنوية تقدمها ساقية عبدالمنعم الصاوى باسم «جائزة رشوان للأخلاق الرياضية»، وهو يوم نجدد فيه تقديرنا للبطل المصرى الخلوق محمد رشوان الذى أذهل العالم بسلوكه النبيل فى نهائى الجودو الأوليمبى 1984 ذلك أنه فضّل الحصول على ميدالية فضية بأخلاق الفرسان على ذهبية يستغل فيها إصابة منافسه، رفعه العالم كله على الأعناق، وظللت أحرص على تذكير أبناء وطنى به عامًا بعد عام.
انهزم المنتخب المصرى فى غانا بنتيجة قاسية ومخيبة لآمالنا فى فرص التأهل لنهائيات كأس العالم البرازيلية!
توقعتُ أن يسود مصر حزن عام، وقد حدث هذا بالفعل على نطاق واسع.. أما ما لم أتوقعه، فهو ردود الفعل «الأوفر» التى تنافس أصحابها على إطلاقها!
أعود بكم خطوة للوراء، وأُذكّركم بمدى التقدير الطاغى والثناء البديع الذى حظى به جهاز المنتخب، ولاعبوه، وكل من كانت له صلة به من قريب أو بعيد.. ثم كانت الهزيمة، وسقطت الأقنعة، لتتجسد أمامك واحدة من آيات المنافق التى ذكرها الرسول الكريم- صلى الله عليه، وسلم-: «... وإذا خاصم فجر»! لدرجة أنى خشيت أن يتكرر مع «برادلى» سحل «هيباتيا» حتى الموت، الذى تألق يوسف زيدان وهو يصفه فى عزازيل! هل هذا المدرب هو نفس الشخص الذى قلنا فيه شعرًا أمس الأول؟
ولم يكن حظ اللاعبين أفضل كثيرًا، فقد وصل البعض- ومنهم إعلاميون مشهورون- إلى اتهامهم بالخيانة العظمى! نعم، أليس التكاسل والتقاعس عن أداء الواجب فى أمر يتعلق بشرف وكرامة مصر خيانة؟
أقول كاظمًا غيظى: إنهم لا يعرفون شيئًا عما يتحدثون عنه، فليس هناك على وجه أو ظهر الكرة الأرضية لاعب كرة قدم واحد لا يتمنى أن يحظى بشرف المشاركة فى كأس العالم كلاعب أو مدرب أو حكم، ولو لدقيقة واحدة، وكلهم- بلا استثناء- على أتم الاستعداد للاستماتة لتحقيق هذا الحلم الغالى!!
لم يقصّر أحد أو يتقاعس، وإنما جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن!! أما تهمة الإساءة لشرف وكرامة مصر، فهى الأخرى دليل على غياب كامل عن قيم التنافس الرياضى ومعانيها التى لم يستوعبوها على الإطلاق!
العار فى الرياضة لا علاقة له بالهزيمة مهما بلغت أرقامها، وإنما يمتعض الرياضيون ممن يخرج عن اللعب النظيف، فيؤذى منافسًا، أو يحاول خداع الحكم ليكسب هدفًا أو فرصة، أو يخرج عن السلوك المهذب فيتفوه بألفاظ لا تليق، أو يأتى إشارات مشينة.. أما الهزيمة الثقيلة، فهى لا تزيد على كونها هزيمة ثقيلة يصعب تعويضها!
ارحموا شرف مصر وكرامتها من سذاجتكم المفرطة، وسوء ظنكم الذى يجركم إلى العدوان على الأبرياء!.