أعلنت المملكة العربية السعودية اعتذارها عن عدم قبول عضوية مجلس الأمن الدولى لتكون ضمن عشر دول غير دائمة العضوية فى المجلس، وقبل ذلك اعتذرت المملكة عن إلقاء كلمة أمام الاجتماع السنوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد أثار هذا الموقف استغراب ودهشة العديد من دول العالم، لا سيما أنه من غير المعروف عن السعودية اتخاذ مواقف حادة فى علاقاتها الدولية، كما أنها لم تدخل من قبل فى صدام سياسى مع قوى دولية كبرى، وكان موقفها الأبرز تاريخيا هو المشاركة فى فرض الحظر البترولى على الدول الداعمة لإسرائيل، بعد اندلاع حرب أكتوبر 1973.
ومنذ ذلك الوقت لم يسجل للمملكة العربية السعودية خلاف شديد مع القوى الدولية الكبرى، كما أنها سارت فى طريق التحالف الاستراتيجى مع الولايات المتحدة الأمريكية. والجديد فى موقف المملكة العربية السعودية هو المبرر الذى ساقته للاعتذار عن عدم قبول العضوية غير الدائمة فى مجلس الأمن الدولى، وهو الخلل الشديد فى تركيبة وأداء مجلس الأمن الدولى الذى عجز تماما عن حل معضلات الشرق الأوسط، وأبرزها القضية الفلسطينية والأزمة السورية. السؤال هنا: وهل جد جديد يدفع المملكة إلى اتخاذ هذه المواقف الحادة من مجلس الأمن الدولى؟ الحقيقة أن الجديد هو السياسة الأمريكية تجاه المنطقة والتى يبدو أنها قررت التعاون مع تيار الإسلام السياسى على حساب علاقاتها التقليدية مع الدول العربية «المحافظة»، كما لا يمكننا تجاهل ما سرب مؤخرا من خطط أمريكية لتقسيم الكيانات الكبيرة فى الشرق الأوسط والتى تقع السعودية فى القلب منها.
سبق للعاهل السعودى أن وجّه خطابا حادا للرئيس الأمريكى باراك أوباما على خلفية دعمه لجماعة الإخوان فى مصر واتخاذه موقفا معاديا لثورة الثلاثين من يونيو.
الملاحظ أنه رغم أن واشنطن هى المقصودة من وراء القرارات السعودية، فإن الأولى تجنبت التعليق على قرار المملكة، فقط وجهت التهنئة لنيجيريا لانتخابها عضوا غير دائم فى المجلس، أما من وجّه النقد الشديد لموقف المملكة فهى موسكو غير المستهدفة من قبل مواقف الرياض، ولكن يبدو أنه موقف مرتبط برغبة موسكو فى غلق أى حديث عن «إصلاح مجلس الأمن»، إضافة إلى الخلافات السعودية الروسية طويلة الأمد منذ الحرب الباردة وحتى اليوم على النحو الذى يتجلى فى الموقف مما يجرى فى سوريا.
عموما يفتح موقف المملكة العربية السعودية الأخير المجال أمام عودة الحديث عن ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولى، وهى قضية مثارة بقوة من قِبل قوى دولية مثل ألمانيا وإقليمية مثل الهند والبرازيل. والحقيقة أن الحديث عن إصلاح مجلس الأمن الدولى أو النظام الدولى هو حديث قديم ومتكرر، لا سيما مع معرفة أن النظام الدولى هو عبارة عن البنيان الذى تقيمه الدول المنتصرة فى الحرب على قمة النظام، حدث ذلك منذ «معاهدة صلح وستفاليا» عام 1648 والتى أنهت الحروب الدينية فى أوروبا، أو حروب السبعين عاما، وتكرر الأمر بعد الحرب العالمية الأولى بإنشاء عصبة الأمم، ثم بعد الحرب العالمية الثانية بإنشاء الأمم المتحدة والتى هيمنت عليها الدول المنتصرة فى هذه الحرب ومنحت نفسها العضوية الدائمة فى مجلس الأمن والتى تعطيها حق النقض أو الفيتو فى المجلس، وهى خمس دول «الولايات المتحدة، الاتحاد السوفييتى، ورسيا، وفرنسا، وبريطانيا والصين الوطنية، تايوان» والتى حلت محلها الصين الشعبية. وإذا كانت الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والصين الشعبية لا تزال تتمتع بقدرات شاملة تضعها على رأس النظام الدولى، فإن الأمر الم يعد كذلك بالنسبة لفرنسا وبريطانيا، حيث تتقدم ألمانيا الاتحادية عليهما بفارق قدرات شاملة كبيرة، كما أن قوى إقليمية رئيسية اقتربت من دخول العالم الأول من حيث القدرات الشاملة (مثل الهند والبرازيل) ترغب فى الحصول على تمثيل مناسب لها فى مجلس الأمن الدولى، وفى السياق نفسه تتطلع دول إفريقية (جنوب إفريقيا ونيجيريا) إلى التمتع بكرسى دائم فى المجلس نيابة عن القارة السمراء، كان أن دولا عربية وإسلامية تتطلع أيضا إلى نفس الموقع لتمثيل ثقافة وحضارة مهمة فى عالم اليوم (مصر، المملكة العربية السعودية، باكستان وتركيا) فهل يمكن أن يتحقق ذلك أم أن القضية أكثر تعقيدا من ذلك؟