عندما بنى محمد على باشا مصر الحديثة بدأ بالأمن، ومنه انطلق إلى تأسيس البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة المصرية. الآن ونحن فى خضم المرحلة الانتقالية لايزال الأمن مفتقدًا، حتى قانون الطوارئ الذى سيلغى بعد أسابيع قليلة لم يفلح فى القضاء بشكل كامل على الإرهاب الذى تنفذه بعض القوى باسم الدين. لذلك يصبح قانون التظاهر هو إحدى الآليات التى من خلالها يمكن الحد من ظاهرة الفوضى القائمة فى المجتمع باسم الحرية، والتى تضرب الأحوال الاقتصادية والاجتماعية فى مقتل.
هنا تبرز دعاوى غريبة لا تقدر الظرف الذى تمر به البلاد والقائم على العنف والإرهاب، إذ تنضم بعض قيادات تمرد و6 إبريل والألتراس إلى صف الإخوان، فتنجح الأخيرة فى العودة إلى المشهد السياسى، من خلال استقطاب هؤلاء لصفها عبر نقد مشروع قانون التظاهر. الأمر الذى يؤدى لحالة مضاعفة من إرباك المشهد السياسى، إذ على الرغم مما هو معلوم أن هذا القانون ينظم حالة محددة لوقت محدد، وعلى الرغم من أن هذا القانون وغيره من القوانين الصادرة فى المرحلة الانتقالية ستراجع من قبل البرلمان القادم، إلا أن هناك إصرارا من قبل المعارضين الجدد بتعضيد من بعض جماعات الارتزاق من الغرب من منظمات حقوق الإنسان، على تعطيل دوران الحياة فى المجتمع. فالرغبة فى قطع الطرق وتعطيل الإنتاج وترك حاملى السلاح يهددون، ويصولون، ويجولون باسم الحرية لهو خير مثال على سيادة منطق العشوائية فى إدارة أمور البلاد. فبدلا من مناقشة جيدة للقانون حول كيفية قيام الأمن بتنفيذ القانون، ينادى البعض بإلغاء تقنينه تحت دعوى زائفة عن حرية وحقوق تهدم، ولا تبنى، بل إن الكثير من البلدان الغربية لا تسمح بما يطالب به هؤلاء، ومن ذلك الاعتصام فى الشوارع والميادين الذى يجرمه القانون الأمريكى. هؤلاء وبعضهم داخل مجلس الوزراء لا يقدرون المصاعب والنواكب التى يضع فيها المتظاهرون غير السلميين الدولة والمجتمع، بل إن أحدهم إذا ما تصادف، وتعطل فى طريق مقطوع، أو أصيب من خرطوش أو حجر ملقى، أو اختنق من كاوتشوك مشتعل لسن قانونا أكثر وطأة مما هو معد حاليا.
لذلك قلنا، ونكرر أننا أمام ثلاثة خيارات: فإما أن نترك الحكم الذى فوضه الملايين الذين خرجوا للعمل، أو أن يسن مشروع القانون الذى سبق أن أعده الإخوان لكبت حريات التيار المدنى، أو أن نترجم قانون التظاهر فى إحدى الدول الغربية.