هناك مشكلة واضحة يلف حولها السياسيون والحكام ولا يريدون أن يصلوا إلى حل واضح يتقبله الجميع. كلنا نريد الديمقراطية وكلنا نحب الديمقراطية التى نراها فى أوروبا ونحن نشاهد تبادل السلطة وكيف يتم فى سلاسة ويهنئ المهزوم الفائز ويعمل للمستقبل حتى يفوز فى الانتخابات التالية. وكلنا أيضاً نريد أن تصبح مصر بلداً آمنا يطمئن كل مصرى على نفسه وعائلته وأصدقائه وعلى ممتلكاته ويمتد الأمن إلى الاستثمار الآمن والسياحة الآمنة. هذا الأمن يعنى أن تتم مصادرة الكم الهائل من السلاح الذى دخل مصر فى السنوات الأخيرة والذى أصبح فى متناول كل فرد ويعنى ذلك تفتيش آلاف البيوت بطريقة قانونية لجمع السلاح، ويعنى تحقيق الأمن أن يتم القبض على كل مرتكبى الجرائم من البلطجية. كل هذا يجب أن يتم بالتوازى مع منع الفساد الذى يقوم به موظفو الدولة ليشعر المواطنون أنهم جميعاً متساوون.
يتعقد الموقف أكثر حين ندخل على الموقف السياسى وعلاقته بالأمن، فنحن الآن أمام جماعة الإخوان المسلمين وهى بالتأكيد جماعة فاشية لها تاريخ دموى معروف وعندها قدرة عجيبة على استخدام العنف إن لم يكن منها مباشرة فباستخدام توابعها من الجماعات التى تسمى نفسها منشقة وهى تحمل السلاح النارى جهاراً وقد قتلت المئات من المصريين عبر فترات مختلفة بدعوى الدفاع عن الدين. هذه الجماعة الفاشية أعضاؤها عدة مئات من الآلاف معظمهم لم يحمل السلاح وأغلبهم، وخاصة الشباب، قد غرر بهم بدعوى إصلاح الوطن وإزاحة الفساد بواسطة الدين وهى دعوى جربت فى التاريخ البعيد والقريب فى العالم كله مرات كثيرة وباءت بالفشل.
وفى أوروبا وعند بداية الثورة الصناعية كانت الكنيسة ذات نفوذ طاغٍ وقد ظلمت الكثيرين وأعاقت التقدم، وعندما تم فصل الدين عن الدولة انطلقت الثورة الصناعية الكبرى. شعبنا شديد التدين بمسلميه ومسيحييه ولكن نداء ثورة 1919 أن الدين لله والوطن للجميع لم يؤثر فى التدين ولا فى عبادة الرب، وإنما فتح الباب لمرحلة مدنية ليبرالية قفزت بمصر إلى الأمام.
مشكلة آلاف الإخوان لن يتم حلها بالقبض فقط عليهم وإنما يجب أن نبتكر حلولاً تمنع أن تسيطر الفاشية علينا وفى نفس الوقت نحافظ على الديمقراطية. إذن كيف نحقق الأمن والأمان ونمنع الفساد ونمنع تسلط فاشية الإخوان بدون استخدام أدوات بوليسية ضد الديمقراطية. هذه المعادلة الصعبة أمامنا اليوم واضحة فى قانون التظاهر. الشعب المصرى فى أغلبه يشعر بالقلق والتوتر من تظاهرات الإخوان المستمرة التى هى فى حقيقتها إرهاب لشعب مصر، وتسبب تعطيلاً للمرور ويتولد عنها عنف تختلف درجته وحدته من مكان إلى آخر وينتج عنها قتلى هنا وهناك. الشعب يريد أن يوقف هذا التظاهر ولكن كيف؟ الطريقة هى قانون للتظاهر. يثير القانون الكثير من اللغط فى الشارع المصرى. الحل ليس هو الموافقة على أى قانون ولا معارضة أى قانون. الديمقراطية الحقيقية إذا كنا نريدها أن يعرض على الشعب القانون ليقول رأيه فيه ثم يتم تطبيقه بعد تعديله حسب رغبات أغلبية الشعب. هل نحن فعلاً نريد الديمقراطية؟ البعض للأسف يقول بكل ثقة إن الشعب لا يصلح للحياة الديمقراطية ويطالب بالدولة البوليسية حتى يعم الأمان. ولكن هل هذا سوف يؤدى إلى الأمان؟ لن يحدث هذا الأمان المزعوم.
ما حدث مع مبارك هو أنه قام بتأمين حياة مجموعة من المصريين وكذلك تأمين أعمالهم وتأمين الأحياء التى يسكنون فيها وترك الفقر والفوضى يدبان فى مصر حتى حدثت ثورة 25 يناير. استخدام الشرطة فقط لن يصلح على الإطلاق وإنما هناك حلول أخرى بالتأكيد سوف تكون أصعب وتأخذ وقتاً أطول وهذا هو طريق الديمقراطية الحقيقى. نحن نريد الديمقراطية ولا نريد بأى حال من الأحوال الدولة البوليسية التى يدعو لها البعض والتى يعتقدون أحياناً أنها هى الحل، هذه الدولة لن يقبلها المصريون ولن يقبلها العالم الذى يجب علينا سواء أردنا أم لم نرد أن نقدم له حلاً ديمقراطياً وإلا سوف يتم عزلنا عن العالم كله.
هناك بعض الفتوات الذين اعتقدوا أننا انتصرنا على الإخوان وأيضاً على أمريكا وأوروبا وحماس وكل حلفائهم بضربة واحدة، هذا قد يبدو صحيحاً ولكنه انتصار مؤقت كان من الممكن أن يسقط لولا المعونة الخليجية، والمحافظة على الانتصار أمر صعب. الطريقة الوحيدة لذلك هى دعم الديمقراطية وتوحيد قوى الشعب وترك شبابهم يكتشف بنفسه حجم المأساة التى أوقعته فيها القيادة. على الجميع أن يبدأ العمل الجدى، على المصانع أن تدور بكل قوة، وعلى الزراعة أن تنشط، وعلى التصدير أن يستعيد نشاطه، وليحدث ذلك لابد من مشروع قومى ودفعة وطنية لرفع الروح المعنوية تحارب الفساد إلى أن يتوقف تماماً. يجب أن يرى شباب الإخوان أن مصر تنمو وتكبر بعيداً عن مشروعهم القادم من وراء التاريخ.
الطريق الديمقراطى صعب ولكنه الطريق الوحيد فى القرن الواحد والعشرين وهو ليس طريقاً مستحيلاً.. قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.