أين هى التى تسمِّى نفسها قوى سياسية؟
هل رآها أحد إلا ضيوفًا فى برامج الفضائيات؟
«الإخوان» تعبث وتعيث فى حياة المصريين بالتخريب والتدمير، والأولتراس فى دوامة هوسهم بالتفاهة المفجِّرة للعنف، بينما القوى التى تقول عن نفسها سياسية تغطس فى الغياب.
أصلًا أشكُّ كثيرًا فى وجود قوى سياسية، فهى مجرَّد تجمعات وحلقات محدودة العدد من المثقفين والنشطاء الوطنيين طبعًا والمخلصين للبلد قطعًا، لكن وجودهم الشعبى هو مجرد وجود إعلامى صنعه التليفزيون والصحف، وتأثيرهم الذى يكون أحيانا كبيرًا له وسيط واحد هو الفضائيات، لكن ما عدا ذلك هم مدعوُّون عند الرئيس أو الجيش أو الحكومة للتباحث والنقاش من باب أنهم شخصيات عامة محترمة ووجوه تليفزيونية ذات بال. لكن هل لهؤلاء قواعد جماهيرية واسعة؟ الإجابة: لا.
هل لهؤلاء قدرة تنظيمية وتمويلية وشعبية؟ لا أعثر على أى أمارة ولا أجد أى دليل.
لا نرى لهذه القوى التى تسمِّى نفسها سياسية دورًا تنويريًّا أو تثويريًّا فى الشارع، أو حتى دورًا خيريًّا تنمويًّا.
بينما المشهد فى مصر كما تلاحظ حضرتك، فهذه القوى لا تظهر بمسيرات جماهيرية تناهض «الإخوان» وتشحذ قيم الثورة، ولا تقيم مؤتمرات شعبية يحضرها الآلاف فى القرى والمدن لتعلن مواقفها ورؤيتها أو حتى تدعو إلى أفكارها وسياسيِّيها، ولا حتى التيارات التى تدَّعى لنفسها الشعبية ظهرت بأى شعب فى أى حتة، ثم فضيحتهم كلهم التامة فى الجامعات حيث تسحب «الإخوان» الطلبة نحو هُوَّة الفتنة والعنف بينما هذه القوى المزعومة لا هى تقاوم بشبابها ولا هى تنقذ أولادنا ولا هى حاضرة بكيانات بديلة ولا هى جاذبة للطلبة ولا هى كاشفة للإخوان، بل هى غائبة عاجزة فى الجامعة حيث تنقسم الجامعات إلى إخوان وإسلاميين ثم طلبة بلا تنظيم، لكنهم متحمسون لمواجهة الإخوان، ثم طلبة غير مسيَّسين.
حتى فى الملعب الذى تقرفنا فيه هذه القوى بادعاءاتها، وهو ملعب الشباب، فهى بلا حول ولا قوة، بما يعنى أنه كذلك لا مستقبل لهذه القوى.
كما تخلو هذه القوى والأحزاب من الأسماء الزعامية الكبيرة التى تضع فوق كتفها مهمة وتنتقل من مدينة إلى أخرى ومن قرية إلى قرية تبنى مع أبناء مصر موقفًا ورؤية.
إذن أنت أمام قوى لا هى سياسية كما تقول عن نفسها ولا هى حتى مؤثرة شعبيًّا عن طريق عمل خيرى أو تنموى تنافس به الإخوان أو تملأ فراغهم بالإحسانات أو الصدقات، أو بالتدريب والتأهيل المهنى والحِرفى أو غير ذلك من المهام التى تحترفها الآن جماعات محسوبة على الإخوان أو جمعيات العمل الأهلى أو منظمات تتلقى أموالًا من جهات التمويل الغربية.
المشكلة الأفدح أن هذه القوى والأحزاب لا تتواضع وتتكلم فى حدود قدراتها وتأثيرها، بل هى منتفخة أوهامًا تعطلها عن فهم الواقع واستيعاب الحقيقة مما يجعل قدرتها على تصحيح أخطائها محدودة أو معدومة، ومما يجعل الشارع المصرى الكاره والرافض والمُعادى للإخوان ليس أمامه إلا التعلُّق بجهاز الدولة أو الحلم بالجيش.