وصلتنى من «شيطان العلبة» رسالة مستعجلة سأترك لها باقى المساحة:
الأستاذ..
تحية حارة وبعد..
فقد قرأت بمزيج من الرضا والحسرة الصورة أو الحكاية التى تفضلت مشكورا بنقلها إلى الرأى العام على مدى يومى أمس وأول من أمس، وأبرزتَ فيها أهم ملامح المحنة التى تعرض لها عبد الله الفقير بعدما شاء قدره الأسود وسوء حظه أن يكون خروجه من محبسه الطويل فى العلبة على يد أحد السادة «إخوان الشر» الكبار.
والحقيقة أننى قاومت لساعات طويلة رغبة ملحة فى كتابة هذه الرسالة حتى تتمكنوا من إكمال عظيم جميلكم ومعروفكم الثمين وتطلعوا الرأى العام على ما عانيته بعد واقعة خروجى غاضبا ملتاعا من مغارة «الجماعة» حيث كان اجتماع قادتها الأشرار الذين دعونى لحضوره.
فأما سبب مقاومتى وترددى فى الكتابة لكم، فهو باختصار الخوف والرعب.. هل تسأل حضرتك كيف لشيطان مرعب أن يخاف ويرتعب هكذا؟! ستعرف الإجابة يا عزيزى إذا عرفت أننى الآن أكتب هذه السطور (سيتولى شيطان صديق تهريبها لكم) من داخل سجن «العلبة» الذى عدت إليه بعدما قامت فرقة من العصابة الإخوانية بخطفى وتعذيبى عذابا شديدا ثم دسونى بين جدرانها الصفيح وأبقونى فيها تحت حراسة مشددة.. ولما سألت واحدا من الزبانية لماذا هان عليكم العيش والملح ورابطة أخوة الجنس الشيطانى التى تجمعنى وإياكم؟! كان رده قلمين على قفايا ورفع درجة البرد والزمهرير إلى مستوى التجمد، لكنه قال وهو يفعل ذلك: عايز تعرف يا ابن (كذا وكذا) لماذا نعاقبك؟ لأنك خائن ونقلت أسرارنا الحساسة للإعلام المُضلل.. ده طبعا فضلا عن هتافك البذىء وأنت خارج من قاعة الاجتماع فقد تجاسرت وقلت «حرام عليكم يا كفرة».
عندئذ، رغم آلامى وحالتى المزرية فلم أتمالك نفسى وقلت لمُعذبى الشاب: يا ابنى وانتوا مالكم إنتم.. المفروض أن «الكفرة» همّ اللى يغضبوا لأننى أدخلتكم فى زمرتهم!
ومع ذلك يا أستاذ (فلان) فإن دواعى الصدق والاستقامة تفرض علىّ، باعتبارى شيطانا مهذبا ومتربيا وابن ناس، أن أعترف بحقيقة أن التعذيب البدنى توقف بمجرد أن أعادوا حبسى فى سجن العلبة، بل لدهشتى الشديدة فوجئت بهم يبلغوننى أنهم من فرط الزوق والرقة وإثباتا لاحترامهم (كما قالوا) مبادئ حقوق الإنسان والشيطان وخلافه، فإنهم سيسمحون لى بالاطلاع على الصحف ووسائل الإعلام «غير المغرضة».. ولا أخفيك يا عزيزى أننى فى البداية شعرت بشىء من الراحة والرضا ومَنَّيتُ نفسى بأن العودة للسجن والإقامة بين جدران العلبة هذه المرة ربما تكون أقل قسوة من حبستى الطويلة السابقة، إذ على الأقل لن أعانى من العزلة عن العالم وأخباره..
غير أننى سرعان ما اكتشفت الخدعة أو بالأحرى المأساة، عندما فوجئت بأن المصروف لعبد الله الغلبان من وسائل إعلام ليس إلا «وسائل إعدام» عقلى شنيعة من نوع صحيفة حزب «ذراع» الجماعة الشريرة، بالإضافة إلى جهاز تلفاز مبرمج على نقل بث «فضائحية الجزيرة القطرية» فقط لا غير.. لهذا فقد قلت لك فى الفقرة السابقة إن التعذيب البدنى هو الذى توقف، أما التعذيب الروحى والمعنوى فقد تفاقم وازداد إيلاما ووحشية..
وأختم برجاء حار أن تتفضل وتتكرم وتنشر هذه الرسالة بسرعة، لعل وعسى يرحموننى ويقررون معاقبتى وحرمانى من قراءة صحيفتهم السوداء ومنعى من مشاهدة «الجزيرة مباشر» من الجحيم!!
و.. اقبل مودتى واحترامى.
المخلص
شيطان العلبة