هو مشروع قانون لا يختلف كثيراً عن المشروع السابق المقدم في زمن الإخوان المسلمين ، بل دعني أؤكد لك أن المشروع الذي تقدمت به حكومة هشام قنديل كان أفضل بكثير من حيث سهولة الإجراءات وبساطة العقوبات، ومع ذلك رفضه المجتمع وحال بينه وبين إصداره ... أما إذا كانت الحكومة تراهن على إستسلام المجتمع لأسباب تتعلق بما يفعله أنصار المعزول من تجاوزات الأن في الشارع ... فهذا لا يعني أنه سيوافق على القمع المقنن خاصة بعد أن خرج إلى النور في 25 يناير، وحتماً سيكون مصير هذا القانون درج المكتب الذي وضع فيه قانون الإخوان السابق.
حيث أن مشروع القانون الذى تقدمت به الحكومة فيما يتعلق بالتظاهر يفرض قيودا شديدة على الحق فى التجمع السلمى وسيزيد من عنف الشرطة، ولا يفي بالتزامات مصر المتعلقة بحقوق الإنسان والمعايير القانونية الدولية... كما أن القانون بصياغته الحالية سيقيد أحد حقوق الإنسان الأساسية وسيحد من قدرة المصريين على استمرار المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وعلى الرغم من حق الحكومات فى تنظيم المظاهرات ، إلا أنه ليس من حقها أن تقوم بحظرها لأسباب مفتعلة أو أن تبعدها تماما عن أى مبنى حكومى... كما أن حظر التظاهرات التى تؤدى إلى تعطيل مصالح المواطنين أو حركة المرور أو الاعتداء على حرية العمل وهذا يعني أنه أي مخالفة لتلك المادة يسمح للشرطة بتفريق التظاهرة بالقوة، وهذا يرقى فعليا إلى مرتبة العقاب الجماعى للمتظاهرين بما أن اعتداء متظاهر واحد على رجل شرطة سيكون سببا كافيا لتفرقة الشرطة للمتظاهرين ، حتى لو كانت الأغلبية العظمى من المتظاهرين سلميين... كما أن الحظر على المتظاهرين الاقتراب من المبانى الحكومية أو التشريعية أو القضائية ومقرات الحكم المحلى يعني إبعاد المتظاهرين عن مرأى ومسمع أى مسئول فى البلاد تقريبا ، وهذا شرطاً مبالغ فيه وقيداً كبيراً على حق المواطنين فى إرسال رسالة للمسئولين عن طريق التجمع السلمى... كما أن مشروع القانون أخفق فى وضع حدود واضحة لكيفية استخدام الشرطة للقوة فى تفريق المظاهرات ، من حيث الأسلوب المستخدم أو شروط التصعيد فى رد الشرطة، فبدلاً من النص على إلزام واضح للشرطة يتفق مع المعايير الدولية باستخدام القوة فقط إذا أثبتت الوسائل غير العنيفة عدم فعاليتها، وممارسة ضبط النفس فى هذا الاستخدام والتصرف بالتناسب مع جسامة المخالفة.
كل ما سبق رغم ما ورد فيه من مبالغات وقيود لا يمكن تنفيذ ولو جزء ضئيل منها مما يعني صعوبة قيام التظاهرة من الأساس، لا يساوي شيئاً من المصيبة الواردة في المادتين الختاميتين.. حيث إذا قامت التظاهرة سيعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة التى لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه لكل من قام بفعل أو حرض أو ساعد على مخالفة أحكام هذا القانون وترتب عليه تعطيل العمل أو إعاقة إحدى المؤسسات العامة أو الخاصة عن القيام بدورها... كما يعاقب بالحبس مدة ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف الاشتراطات الواردة فى هذا القانون.
فإذا كانت معظم الإضرابات للعمال البسطاء المهدورة حقوقهم فهذا يعني عندما يسجن ثلاثة أشهر على الأقل وتكون اقل غرامة عشرون ألف جنيه فهذا يعني أنه سيفقد عمله ويبيع أحداً من أبنائه كي يسدد الغرامة... كما أن معظم التظاهرات يقوم عليها الشباب الجامعي فما بالك عندما يسجن عام سيفصل فيه من الجامعة ويضطر والده لبيع بيته ليسدد الغرامة وتسكن الأسرة المقابر !
ألا تعي السلطة رغم كل ما حدث منذ أكثر من عامين .. أن أفضل ضمان لاحترام القوانين الجديدة هو ضمان احترام تلك القوانين الكامل للحقوق الموضوعة على المحك،وأنه ولا يمكن معالجة دائرة العنف المفرغة التى شهدتها مصر مؤخرا إلا من خلال إصلاح الشرطة والمحاسبة وليس بمنح الشرطة ، وغيرها من سلطات الدولة المزيد من الصلاحيات لتقييد التظاهرات أو استخدام القوة ضد المتظاهرين.