لم أفهم كيف وصل المنتخب المصرى إلى هذا الإنجاز، كيف فاز فى مبارياته السابقة كلها؟ كيف استطاع منتخب بلد ليس فيه دورى منتظم، رغم أن معظم لاعبيه محليون، أن يحقق هذا؟. لكن هذا لا يصير مهمًّا حين تتلقى هزيمة ثقيلة كالتى تلقيناها فى غانا.
قلت هذه المقدمة، لأننى أردت أن أبرز أن المدير الفنى واللاعبين قدموا قبل المباراة نتائج أفضل كثيرا من المتوقع فى ظل الظروف. ولأننا كالعادة ننسى الظروف التى نخلقها، من أول الاضطراب السياسى، إلى أحداث استاد بورسعيد، إلى سلوك الأولتراس، ثم نحمِّل المسؤولية لجهة واحدة، نحملها الذنب ونستريح. والجهة فى هذه الحالة بوب برادلى. أفضل من درب منتخب مصر. الجوهرى وحسن شحاتة حققا إنجازات رائعة، ولكن فى ظل استقرار سياسى ودعم لم يحظ بوب برادلى بعُشره. هذه نقطة. أما النقطة الأخرى فهى موضوع المقال.
منذ الوصول إلى كأس العالم عام ١٩٩٠ خضنا ثلاث مواجهات فاصلة أخرى لتكرار الإنجاز، لكننا خسرناها كلها. ليس هذا غريبا. إنما اللافت للنظر، والمرتبط بالخسارة، كان سلوكنا فى هذه المواجهات الثلاث. وأقصد به سلوكنا الجماهيرى، والسياسى.
مباراتنا مع زيمبابوى ألغيت بسبب حجارة ألقيت من المدرجات. رغم عشرات التحذيرات التى سبقت المباراة من هذا السلوك. وتبع المباراة حملة على الاتحاد الإفريقى واتهامات هنا وهناك، لم يكن لها من طائل ولا هدف، فاللائحة كانت واضحة، والخطر كان معلوما.
مباراتنا مع الجزائر تحولت إلى أزمة سياسية، وحرب إعلامية، ومظاهرات. كما تحولت داخليا إلى صراع يقوده أبناء مبارك وفنانو السبوبة، دون نظرة موضوعية، ولا حسن تقييم يضع الأمر فى نصابه، ولا يحول المباراة إلى حرب تاريخية.
ثم مباراتنا مع غانا. وتلك جاءت فى ظرف سياسى مضطرب أساسا. لكننا فوجئنا بأن طائفة الإخوان المسلمين استغلته أيضا، بطريقة تشبه طريقة استغلال أبناء مبارك ومن معهم لمباراة الجزائر، إنما بطريقة عكسية.
المباريات تأتى وتذهب، والانتصارات الرياضية تأتى وتذهب، ومن الصعب جدا على دولة بلا دورى محلى وبعدد محدود من المحترفين خارجيا أن تصل إلى كأس العالم. إذن ليست تلك المشكلة الطويلة الأمد. إنما المشكلة الطويلة الأمد تتمثل فى العامل المشترك بين المواجهات السابقة. فى تسييس الرياضة إلى هذا الشكل. فى تحولها إلى مادة الإنجاز الوحيدة، وليس بالإعداد القوى ولا الخطط المدروسة، إنما بالبلطجة تارة، والشحن تارة، وخلط المعايير.
ليست صدفة أبدا أن تحيط ظروف متشابهة بكل مواجهة تقربنا من كأس العالم. وكأن مباراة كأس العالم ٩٠ مرت بسلام لأن الفرق السياسية فى البلد لم تكن منتبهة لها، وبما يمكن أن تجنيه من ورائها. ليس صدفة أن هناك دائما فريقا يريد أن يستثمر الفوز سياسيا، أو أن هناك فريقا يتمنى الخسارة لبلده، ويسعى لها، ولو بإرسال مشجعين وبانارات إلى دواخل إفريقيا، لكى يستغل هذه الخسارة، أو لمجرد الشماتة. ليس صدفة أن تتحول مباراة رياضية إلى طوق إنجاز لفريق سياسى هنا، ومعارض هناك.
البلد الذى يحدث فيه هذا بلد تافه، قواه السياسية تافهة، وإنجازاته تافهة، ووجوده على الأرض تافه. لا يفيده أن يغنى لنفسه مدعيا أنه أعظم شعب. ولن يفيده أن يلقى المسؤولية فى هذا الاتجاه أو غيره. يفيده فقط أن يدرك أهمية السياسة، وأهمية محاسبة السياسيين محاسبة عسيرة على إدارة البلد وعلى تحسين حياتهم، وعلى تحقيق إنجازات فى ما يخصهم. هنا تكون المنافسة الحقيقية، ويكون التباهى. المنافسة أدب مش هز اكتاف. والتفوق أدب مش هز اكتاف.