رفض رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، قرار الإدارة الأمريكية بتعلق جزء من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وطالب الإدارة الأمريكية بالحفاظ على تقديم هذه المساعدات لمصر. أثار هذا الموقف حيرة بعض الخبراء والمحللين، لا سيما أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ تسعينيات القرن الماضى كانت تطالب واشنطن بتحويل هذه المساعدات العسكرية إلى مساعدات اقتصادية، مشددين على أن حصول الجيش المصرى على نفس ما تحصل عليه إسرائيل مع أسلحة ومعدات أمريكية -حتى مع فارق الإمكانات والخصائص- قلّص الفجوة بين الجيشين المصرى والإسرائيلى، وهناك عشرات المقالات فى الصحف الإسرائيلية تتحدّث عن تقلّص الفجوة بين الجيشين، مقارنة بتلك التى كانت قائمة قبيل حرب أكتوبر ١٩٧٣، بل هناك مَن وجّه الاتهامات إلى واشنطن مباشرة بالإضرار بالأمن القومى الإسرائيلى من خلال إمداد الجيش المصرى بسلاح أمريكى متطوّر، مثل الطائرة «إف ١٦» والدبابة «إم وان إيه وان».
السؤال هنا: لماذا ترفض الحكومة اليمينية الإسرائيلية قرار الإدارة الأمريكية بوقف تسليم بعض الأسلحة والمعدات لمصر وتقف بوجه محازلات الإدارة الأمريكية تقليص المساعدات العسكرية لمصر؟
هناك مَن يقول إن الحكومة الإسرائيلية تتخذ هذا الموقف خشية تطبيقه على إسرائيل، بمعنى أن تخفيض المساعدات العسكرية لمصر سوف يعقبه تخفيض مماثل للمساعدات المقدمة لإسرائيل على أساس أن المساعدات ارتبطت بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وبدأت واشنطن فى تقديمها للطرفين، مساعدة منها فى ترسيخ السلام بين البلدين، وهناك مَن أضاف إلى ذلك خوف إسرائيل من أن تقوم مصر ردًّا على ذلك بإلغاء المعاهدة أو طلب تعديلها. وفى تقديرى أن هذه التفسيرات غير دقيقة، صحيح أن المساعدات ارتبطت بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وكانت مقدمة من واشنطن فى محاولة منها لترسيخ معاهدة السلام بين البلدين، لكن الصحيح أيضًا أنه لم ينص على هذه المساعدات فى المعاهدة، كما أنه لا يوجد ما يجبر واشنطن على تخفيض مساعداتها لإسرائيل على غرار ما فعلت وستفعل بشأن مصر، ومن ثَم فلا تخشى إسرائيل إقدام مصر على إلغاء المعاهدة، لأنها تدرك تمامًا أن السلام هو قرار دولة ومجتمع فى مصر، وأنه ليس من مصلحة مصر خوض حرب جديدة مع إسرائيل ببساطة، لأنه لا يوجد ما يبرر خوض هذه الحرب، والمبرر الرئيسى هنا سيكون الدفاع عن الأراضى المصرية والأمن القومى المصرى، وما دامت إسرائيل لن تقدم على المساس بأى منهما، لا يتوقع أن تدخل مصر فى حرب مع إسرائيل، وهو الأمر الذى تفهمه إسرائيل جيدًا وتدركه الحكومة اليمينية التى تتولّى الحكم اليوم فى إسرائيل. فى نفس الوقت، مؤكد أن مصلحة إسرائيل تكمن فى تقليص القدرات العسكرية للجيش المصرى، والسؤال هنا: لماذا إذن ترفض إسرائيل قرار واشنطن بتخفيض المساعدات العسكرية لمصر؟ السبب الرئيسى هو أن إسرائيل تدرك تمامًا أن المساعدات التى تقدمها الولايات المتحدة لمصر تعطى لواشنطن قدرًا كبيرًا من التأثير على القرار المصرى وتمنح واشنطن نفوذًا كبيرًا على مصر، هذا إضافة إلى أن تقديم المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر يجعل الجيش المصرى تحت مراقبة ومتابعة واشنطن ومن ثَم إسرائيل فى كل ما يخصّه من أسلحة ومعدات، كما أن ذلك يساعد إسرائيل على معرفة تسليح الجيش المصرى معرفة تامة، وتخفيض المساعدات الأمريكية لمصر يعنى تقليص النفوذ الأمريكى من ناحية ودفع مصر إلى تنويع مصدر السلاح، وهو أمر يحرم إسرائيل من مزايا هائلة، منها استمرار النفوذ الأمريكى على مصر ومعرفة إسرائيل لأسلحة الجيش المصرى. باختصار تدرك إسرائيل، وربما بدرجة أعمق من الإدارة الأمريكية، أهمية استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وتقدر على نحو أكثر ذكاء من الإدراة الأمريكية للعواقب السلبية المترتبة على تقليص المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وأخيرًا لا يمثّل الإخوان المسلمين قيمة لإسرائيل فهى أكثر من واشنطن قدرة على فهم عقلية الجماعة وما تحمله من فكر متطرّف، فقد تعاملت إسرائيل مع الفرع الفلسطينى للجماعة، وخلصت إلى خطورة ما تحمله من فكر تجاه الدولة العبرية، ومن ثَم لا تحمل إسرائيل فى قلبها تعاطفًا كالموجود فى قلب أوباما، كما أن تل أبيب ليست العاصمة التى تكتفى بوعود أو عهود، بل تتعامل بواقعية شديدة مع كل ما يحيط بها.