ونحن نتابع التعليقات التى تكتب على زيارة الرئيس المؤقت عدلى منصور إلى السعودية وحتى التصريحات الرسمية التى خرجت منه شخصيا أو من الوفد المرافق له- وجدناها تصف هذه الزيارة على أنها زيارة شكر وتقدير لدور السعودية تجاه مصر فى مرحلة ثورة 30 يونيو!
الحقيقة أن الشكر فقط لا يحتاج إلى زيارة رسمية، كما أن المملكة حين أعلنتها صراحة بوقوفها داعمة ومساندة لإرادة الشعب المصرى لم تكن تفعل ذلك من أجل أن يذهب من يحكم مصر ليقدم الشكر إليها، كما أن الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودى، حين قاد الدبلوماسية الحادة تجاه الغرب، وذهب إلى فرنسا، وعقد مؤتمرا صحفيا مع الرئيس الفرنسى ليحذر من اتخاذ أى مواقف تجاه مصر لم يكن يريد من الرئيس المؤقت أن يذهب إليه ليقول له شكرا، وقس على ذلك جميع مواقف المملكة الداعمة لنا اقتصاديا وسياسيا وشعبيا أيضا.
ما كنا نريده، وما نطمح إليه أن تكون هذه الزياراتُ زيارات تأسيسية، ليس بمعنى أنها تؤسس لعلاقة بين القاهرة والرياض، فهى موجودة ومتينة وتاريخية بالفعل، وإنما تأسيسية لدور عربى. هذا الدور يتأتى عبر إعادة ترتيب منظومة التحالفات الموجودة فى الإقليم، خصوصا بعد الحلحلة التى حدثت لأغلب المحاور، فمحور «قطر- سوريا- إيران» انكسر من رأس مثلثه حين مات إكلينيكيا نظام بشار الأسد، وأصبح رئيسا للقصر الذى يسكن فيه وتحميه كتيبة أخيه ماهر الأسد، وحين هرب من سفينته لاعبون كان يعتمد عليهم، مثل خالد مشعل ومن خلفه حماس التى ما عادت تأتمر بأمره أو تُعطل أى دور مصرى سعودى فى المنطقة، بل أصبحت بين مطرقة وسندان، مطرقة غضب النظام المصرى عليها بعد تورطها فى أعمال العنف والإرهاب فى سيناء، تحت شعار دعم مرسى المعزول، وسندان قوات الاحتلال الإسرائيلية.
أما قطر، فما عادت قادرة على لعب دور المُخرب والمُقلق لتحالفات الكبار، كما فعلت ذلك سابقا بالتنسيق مع بشار وحماس فى قمة الدوحة وقمة الكويت وغيرها من مواقف جاءت تحت وهم دول الممانعة.
وهكذا بالنسبة لإيران التى تابعنا ذروة سطوتها فى حرب تموز 2006 فى لبنان، حيث اتضح وبالوثائق أنها هى التى قادت هذه الحرب مع الإسرائيليين، ليس من أجل قضايانا العربية، وإلا كنا قدمنا لها الشكر، وإنما من أجل كسر شوكة إسرائيل لترتيب وتشغيل مُجمع أراك النووى، وكانت النتيجة معركة على غير أرضها بمالها وبدماء لبنانية. هذه السطوة، وهذا النفوذ الذى اشتغلوا عليه كثيرا فى كثير من المناطق رأيناهم يشعلون ورقة الحوثيين فى اليمن، بل تطور الأمر إلى افتعال مشاكل مع المملكة عبر الحدود اليمنية، ثم مالبثوا أن أشعلوا ورقة البحرين، وكثرت التدخلات، وهكذا فى باقى دول الخليج، عبر خلايا التجسس التى تم كشفها فى الكويت، وغيرها من الدول الأخرى، وهكذا فى لبنان، حين احتل حزب الله بيروت، وأحرق تليفزيون المستقبل، وهكذا فى العراق فبقاء نورى المالكى فى رئاسة الوزراء، رغم فوز إياد علاوى فى الانتخابات، لدليل على سطوة إيران هناك.
فى المقابل، وأمام هذا الفراغ وغياب وموت الدور العربى، ظهر الدور التركى، وبدا منذ محاولة فك حصار غزة وسفينة الحرية وغيرها، ثم موقف أردوجان الشهير فى مؤتمر دافوس، حين انسحب من جلسة كان يحضرها بيريز، واستُقبل فى تركيا استقبال الفاتحين، بعدها ألغى مناوراته العسكرية مع الإسرائيليين، وفرض أردوجان نموذجه العثمانلى على الساحة العربية، واستقبلته شعوب المنطقة بترحيب كبير.
وسع أردوجان دوره تجاه إيران، خصوصا فى العراق، وكتب البعض أنه دور سنى فى مواجهة دور إيرانى شيعى، بعد أن ضعفت باكستان التى كانت الحائط السنى الأول الذى يقف فى مواجهة إيران.
إذن كنا فى السابق، ومازلنا أمام ثلاثة مشاريع لثلاث قوى تتنافس على صدارة الشرق الأوسط، ليس فيها مشروع عربى واحد: المشروع الصهيونى، ومن خلفه إسرائيل وأمريكا. المشروع العثمانى الجديد، بقيادة أردوجان. المشروع الفارسى، ومن ورائه إيران.
وليس هناك مشروع عربى واحد سوى مؤسسة مجلس التعاون الخليجى وظل دورها كردة فعل دفاعى خصوصا تجاه سطوة وتدخل وشراسة المشروع الإيرانى.
الآن هذه المشاريع ليست متوقفة، لكنها مرتبكة، وهذه القوى تمر بمأزق ضعف وانكسار أحد أضلاع تحالفاتها، كما أسلفت، وأوضحت. أضف أن المشروع الأردوجانى تعرض لضربة قوية جدا، بعد أن سقط نظام الإخوان، وتصدرت المشهدَ المصرى المؤسسةُ العسكرية، وهذا ما يخافه، ويقلقه.
إذن بعد توضيح وشرح هذه الخريطة فى المنطقة، من العيب أن تكون زيارة الرئيس المصرى إلى المملكة العربية السعودية للشكر وفقط، أو لشرب الشاى والدعاء بجوار الكعبة، أو للدردشة حول بعض المواقف العابرة، أو المرور سريعا على عناوين استراتيجية لا يجب المرور عليها سريعا.
وإنما كان ينبغى أن يتم الإعلان عن مجموعة من القرارات التى تُعيد مرة أخرى الحياة لمنظومة العمل العربى المشترك على جميع المستويات، المستوى السياسى عبر وحدة فى الموقف والقرار فى كل القضايا، شريطة أن تكون هذه القرارات ملزمة للجميع، بدءا بالموقف تجاه بشار وانتهاء بالموقف الفلسطينى. ثم المستوى الاقتصادى عبر منظومة عمل وإجراءات تبدأ من العمالة، مرورا بالعُملة والجمارك والسوق الحرة والاستثمار، وانتهاء بالتسليح والتدريب والمناورات العسكرية وتبادل الخبرات، وهذا لن يتأتى إلا إذا تصدت له مصر والسعودية آخر دولتين عربيتين كبيرتين، بعد أن تمت سرقة وإضعاف العراق، وبعد أن خطف بشار سوريا، ولا يعنى ذلك تهميشا لأى دولة عربية أخرى.