الجيل الذى أنتمى إليه كان من بين الآمال التى لا يتوقعها أن يعيش فى مصر بين الناس «رئيس سابق»، كما يحدث فى كل دول العالم الديمقراطية. ينهى الرئيس مدته وينتهى دوره ويترك مكانه لغيره حتى أصبح فى أمريكا حاليا أربعة رؤساء سابقين مرة واحدة (كارتر وبوش الأب وبوش الابن وكلينتون). فى منطقتنا لا يغادر الرئيس إلا إلى قبره، فالرئيس عرض مستمر إلى أن يموت بطل الفيلم ويستحيل الاستمرار فى تصويره!
ونتيجة لذلك تعود الرؤساء- وأقصر حديثى على مصر- أن يمر على كل منهم كذا رئيس أمريكى يتعامل معهم. فالرئيس جمال عبدالناصر خلال 18 سنة عاصر وتعامل مع خمسة رؤساء أمريكيين (هنرى ترومان وأيزنهاور وجون كنيدى وجونسون ونيكسون)، والرئيس السادات اكتفى بالتعامل مع أربعة رؤساء (نيكسون وفورد وكارتر وريجان)، أما الرئيس مبارك فتعامل مع خمسة رؤساء أمريكيين منهم أب وابنه (ريجان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن وأخيرا أوباما)، ومن هؤلاء الرؤساء من امتد حكمه ولايتين.
تغير الحال منذ ثورة يناير، وبعدها ثورة يونيو، اللتين بفضليهما شهدنا لأول مرة رئيسين مصريين سابقين، ولكن الاثنين تحت التحفظ: الأول لإتمام محاكمته، والثانى لبدء المحاكمة. وفى المقابل فلأول مرة فى تاريخ أمريكا يكون هناك رئيس أمريكى هو الرئيس باراك أوباما، الذى انفرد بين كل الرؤساء الأمريكيين بأنه الوحيد الذى تعامل فى فترة رئاسته مع أربعة رؤساء حتى اليوم.
وكان مبارك هو الرئيس الأول الذى جاء عليه أوباما، وقد بدأ معه بداية مبشرة، إذ جاء إلى القاهرة وألقى خطابا فى جامعة القاهرة بدا منه أنه يبشر برئيس يهدف إلى السلام والحق، إلا أنه سرعان ما بردت علاقاته بمصر، وعندما فاجأت ثورة يناير العالم وخلعت مبارك لم يمد له يداً تعينه، بل كان من خلال قنواته المفتوحة مع الإخوان يدفعهم للوصول إلى الحكم. وبعد مبارك جاء المجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوى، ليشهد المزيد من الضغوط لتسليم الحكم للإخوان، وبالفعل نجح الإخوان، وجاء محمد مرسى فى أول يوليو 2012 وبعد 140 يوما فى 19 نوفمبر كان يرعى اتفاقية عدم اعتداء بين حماس وإسرائيل ما اعتبره الأمريكيون إنجازاً عظيماً، حيّت الصحف الأمريكية مرسى عليه ورشحته ليكون شخصية العام. وتصور مرسى أنه بذلك ضمن مفاتيح الخلود، وبعد يومين اثنين فى 21 نوفمبر أصدر دستوره المكمل الذى أعطاه درجة الإله الذى منح العصمة لما أصدره أو سيصدره من قرارات. وكان ذلك بداية نهاية مرسى، فمن يومها لم يهدأ الشعب، وواصل ثورته ضده، خاصة بعد أن تأكد أنه لم يقدم إنجازاً واحداً، وكل ما فعله هو كسب عداوة مختلف فئات الشعب باستثناء جماعته. وفى سابقة لم تحدث خرجت ملايين الشعب أيام 30 يونيو و3 و26 يوليو لتطوى صفحة مرسى.
وجاء الرئيس الرابع عدلى منصور الذى تميز عهده بظهور بطل اسمه عبدالفتاح السيسى، دخل بسرعة قلوب الملايين بعد أن وضح أنه وضع إرادة وطنه فوق كل الإرادات حتى لو كانت إرادة أوباما نفسه، ومازال الصراع مستمرا!