استعرضنا بالأمس قانون التظاهر، وسأقوم بنقده، لكننى الحقيقة أشعر بملل، ويُخيّل إلىّ أن كاتب تاريخ مصر هو ذاته مؤلف فيلم «ألف مبروك»، حيث كان البطل يعيش كل يوم بنفس تفاصيله، ولا يتغيّر شىء فى أحداث اليوم سوى ردود أفعاله التى باتت مقاربة للهيستيريا والجنون من فرط التكرار والتطابق.
سوف نسأل نفس الأسئلة التى كنا سألناها لجماعة الإخوان، ومن قبلها طنطاوى، ومن قبلها مبارك: سيادتكم، المجموعة الحاكمة، لا تفتؤون تطالبون الجماهير بالنزول إلى الشارع لدعمكم، أو تفويضكم، أو الاحتفال معكم أو بكم، والناس تنزل على الرحب والسعة،
(هنا أود أن أنبّه الرئيس ورئيس الوزراء والوزير: مَن تطلبون منهم النزول وتكررون طلبكم ليسوا أعضاءً فى جماعة، ولا يدفعون اشتراكًا، ولا تقومون أنتم بالإنفاق على أولادهم وتعليمهم، ولا يحكمهم السمع والطاعة، نزلوا مرة اتنين تلاتة... بس بقى، حتزهقوهم كده)،
بالطبع، كل الجموع التى نزلت قبل ذلك، بناء على دعمكم، أو تشجيعكم، أو طلبكم المباشر، لم تلتزم بمحاذير قانون التظاهر، ولو أنكم أجبرتموهم على الالتزام بهذه المحاذير، من إخطار لأقسام الشرطة، وعدم الاقتراب من أماكن معينة، وعدم الاعتصام، وعدم إطلاق الصواريخ أو الشماريخ التى لم يكفوا عن إطلاقها فى كل تظاهرة نزلوا فيها من يوم 30 يونيو وحتى 6 أكتوبر، فإن الناس ببساطة لن تنزل، لزومه إيه وجع الدماغ؟
طيب، من الواضح أن قانون التظاهر، شأنه شأن كل قوانين التظاهر التى صدرت فى العصور البائدة، قد استصدر ضد المعارضين. هل ضمنتم أنكم لن تحتاجوا إلى حشد الشارع لصالحكم مرة أخرى؟ وما الضمانة؟ إوعى تقول الشعب.. أزعل قوى، وده شعب يتضمن؟ ده زى قضا ربنا كده، اللهم إنا لا نسألك رد الشعب ولكن نسألك اللطف فيه.
أم أن مصدّرى قانون التظاهر يضعون فى حسبانهم أن تسير بـ«الكوسة» كما سارت قبل ذلك فى عهد الإخوان، وطنطاوى، ومبارك، حيث كنا دائمًا نندهش، لماذا يهاجم البلطجية مظاهرات المعارضة ولا يقتربون من مظاهرات التأييد، لماذا تقف الداخلية تبتسم للمؤيدين وتسحل المعارضين؟ فهل ينتوى النظام الحالى اتباع ذات النهج؟ لو ناوى قول.. إوعى تتكسف، هو أنت أحسن من اللى قبلك؟ ماعادش فيها كسوف يامّا اعملى معروف.
بالطبع لم يحظر قانون الإخوان التظاهر فى دور العبادة، لأن أحدًا لا يتظاهر فى دور العبادة سواهم، ولا يقل أحد إن المسيحيين يتظاهرون فى دور العبادة، لأنهم يفعلون ذلك مجبرين، حيث إنهم يلوذون محتمين بالكنائس، وحين شعروا بإمكانية التظاهر خارج الكنيسة أسرعوا خارجها، لكن القانون الجديد يحظر إقامة «المواكب والاجتماعات» فى دور العبادة، بالنسبة إلى الموالد والأعياد ومواكب الطرق الصوفية؟
يبرر القانون منح الشرطة حق إلغاء المظاهرة أو التجمع فى حال ما إذا توصّلت الشرطة، عبر تحرياتها، إلى معلومات تفيد بخطورة إنفاذ المظاهرة التى حصلت بالفعل على تصريح، وده طبعًا، لأن الشرطة بتاعتنا نبيهة ولا شرطة سكوتلاند يارد، ومن فرط نباهتها لم تعلم حتى الآن، بتحرياتها،
مَن هو مفجّر كنيسة القديسين، ولم تصل إلى منفذ التفجير الذى استهدف وزير الداخلية قبل أن تعلن أنصار القدس مسؤوليتها، ولم تتمكن من القبض على أى من المنفذين، وكل ما تمكنت منه هو القبض على أعداد مهولة من المواطنين، أغلبهم كان من المارة.
الحقيقة لا أريد أن أقسو على الشرطة، لأنها يُقتل منها الكثير، وإن كانت هى أيضًا تقتل الكثير، لكن من المؤكد أن الشرطة المصرية لا تتمتع بالكفاءة المناسبة بالذات فى ما يخص التحريات، وإذا افترضنا أن طفرة مهنية حدثت فى الشرطة المصرية، وأصبحت البريمو فى التحريات، فلماذا لا تعرض تحرياتها على قاضى الأمور الوقتية ليبت فيها؟
سؤال آخر، فى حال ما إذا نزلت تظاهرة مؤيدة للنظام، ووصل إلى الشرطة معلومات بأن مندسين ينتوون تفجير موكب المؤيدين، فهل ستسحب الشرطة ترخيص المظاهرة؟ بجد؟ حتى لو السيسى هو اللى طلب من الناس تنزل؟ هذا بافتراض أن التظاهرات المؤيدة ستحتاج إلى تصريح من الشرطة ابتداءً.
أود أن أنوّه إلى أن الناس التزمت حظر التجول، ربما لأول مرة فى حياتها، لأنها كانت تريد أن تلتزم به، لا لأنها أجبرت على ذلك، وكان قرارًا ذكيًّا بتخفيف ساعات الحظر بمجرد أن شعرت السلطات بتململ الناس من الحظر، لأنه ببساطة إن لم تخفف الحكومة ساعات الحظر، فكان الناس سيخففونها بمعرفتهم. كما أن الناس لا تتظاهر الآن لأنها ببساطة لا تريد خدمة مصالح الإخوان، وتعلم جيدًا أنه مجرد صراع على السلطة.. لا لأنها تخاف من قانون التظاهر.