لقد تجاوز الخطر بكثير حد الغضب والذهول من أن مصريين أبناء نفس هذا الوطن شامتون، سعداء لأن منتخبنا الوطنى لقى هزيمة، فضيحة قى مباراة لكرة القدم. فعشيرة الإخوان يبدو أن شعورهم بالظلم والاغتراب داخل الوطن قد بلغ مداه، وتتراكم مشاعر الكراهية داخلهم لتمتد خارج نطاق النظام السياسى الحالى، الذى يرون أنه سلب منهم نصرا مستحقا بغض النظر عن فشلهم الواضح فى إدارة شؤون البلاد وثورة قطاع واسع من الشعب ضدهم، لتشمل الوطن نفسه كحدود وهوية، بل والشعب نفسه للأسف الشديد.
ولنتأمل معا ما كتبته هذه الفتاة المصرية، مروة أبو زيد، على صفحتها على موقع «فيسبوك» التى زينتها بشعار «رابعة». ولا بد أن أشير إلى أن ملامح مروة تبدو شديدة الطيبة، حجابها بسيط وجميل، ويبدو من مظهرها أنها تنتمى للطبقة فوق المتوسطة. كتبت مروة: «كما سجد الشعراوى سجدة شكر عندما حدثت النكسة (1967)، ليس لنكسة مصر ولكن لنكسة النظام الفاسد وقتها وفجره، أنا أيضا سأسجد سجدة شكر عندما تحتل إسرائيل سيناء الآن فى ظل هذا النظام الفاسد، والقضاء الفاجر، والداخلية البلطجية، والجيش العاهر، والشعب الظالم، والوطن الذى بلا وطن، والدولة التى بلا دولة. نعم أنا الآن لست مصرية، بل مسلمة، دينى هو وطنى أبحث عنه وأقيمه فى المكان المناسب إن أمكن لى ذلك. مروة أبو زيد».
هذا بصراحة كلام مرعب. الشابة المصرية تتمنى احتلال سيناء من قبل العدو الإسرائيلى لأنها سترى فى ذلك علامة انتقام إلهية من النظام الفاسد، وكل مؤسسات الدولة وكذلك «الشعب الظالم»، الذين أطاحوا ليس فقط برئيس للجمهورية، بل بالمشروع الإسلامى، وربما الإسلام نفسه، من وجهة نظر قطاع متزايد من الشباب الإسلامى الذى يرسخ مشاعر الكراهية داخله قادة اعتادوا المتاجرة بدمائه ومنحهم صفة شهيد، لأنهم احتكروا زورا وبهتانا توزيع صكوك الإيمان والكفر. لقد أعلنت مروة كراهيتها للوطن، وخلقت حاجزا وهميا بين حب الوطن والانتماء للعقيدة الإسلامية، لتسلب بذلك من كل مَن دعم التخلص من حكم الإخوان صفة الإيمان بالإسلام نفسه.
الغريب والمثير للأسى فى نفس الوقت هو إصرار قادة الإخوان فى بياناتهم الرسمية على إنكار أن ما شهدته مصر ثورة شعبية وأنهم فشلوا فشلا ذريعا فى الحكم، والتمسك بدلا من ذلك بحصر الخلاف مع وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى فقط، وتصوير الأمر على أن هناك قائدا عسكريا خان رئيسه الذى قام بتعيينه ووفر له السلاح الذى طلبه فى انقلاب تم تدبيره بليل. فالإخوان، بأفقهم الضيق ونشأتهم على حب الصفقات فى الغرف المغلقة كما فى زمن مبارك، ظنوا أن رشوة قادة الجيش بأسلحة جديدة وزيادة المرتبات والحوافز، سيكفيان لشراء ولائهم.
وعندما تذكرهم بأن المظاهرات والاحتجاجات لم تتوقف ضد حكم الإخوان والمرشد منذ إصدار الإعلان الدستورى فى 22 نوفمبر 2012، وفى مواجهة المعارك التى افتعلوها مع الجميع بداية بشيخ الأزهر ومرورا بالقضاة والمثقفين والإعلاميين والكنيسة والجيش والشرطة، وكذلك باستمارات حركة «تمرد» التى بدأت كحركة شعبية احتجاجية سلمية وتمكنت من جمع ملايين التوقيعات لمصريين، رفعوا شعار واحد فقط هو «ارحل يا مرشد»، يكون ردهم أن كل هذه الأمور كانت مؤامرات ودسائس من قبل أنصار نظام المخلوع مبارك، ومجرد احتجاجات عادية كان يمكن التعامل معها وإخمادها لو لم يكن السيسى قد حرك قواته ووافق على الإطاحة بالرئيس المنتخب، وحتى لو كان غالبية الشعب يرفضونه ويلفظونه.
مفهوم قادة الإخوان للشرعية الديمقراطية لا يتضمن إمكانية انحياز جيشنا الوطنى وقادته لإرادة غالبية الشعب وشعوره بخطر أن الوطن ينزلق نحو الحرب الأهلية الدينية لو استمر حكم جماعة الإخوان، تماما كما فعلوا فى 25 يناير 2011 عندما تبين أن حكم مبارك لمصر بات مستحيلا، وأن ما سيترتب على بقائه سيكون أخطر بكثير من مواصلة التمسك بمظاهر الشرعية.
ولكن ما يجب الإقرار به كذلك، ومن دون أى شك، أن ما يرسخ مشاعر كراهية الوطن والاغتراب لدى مروة وأعداد متزايدة من شباب الإخوان هو الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن فى مواجهة احتجاجاتهم على مدى الشهور الأربعة الماضية تقريبا، وهو ما ترتب عليه سقوط المئات من القتلى واحتجاز الآلاف. أعرف بالطبع أن ذكرى لهذه الحقيقة سيواجهه سيل من الشتائم، ومشاعر فاشية معادية لجماعة الإخوان لا تقل خطرا عن مشاعر الكراهية العميقة التى تحملها مروة أبو زيد للوطن وللشعب المصرى وجيشه الوطنى.
أحد رموز الأحزاب الليبرالية المعروفين بشراستهم فى معارضة الإخوان عبر وسائل الإعلام قال لى صراحة إنه يرفض اعتبارهم حركة سياسية، «بل هم حركة فاشية يجب أن يتم إقصاؤها والقضاء عليها حماية للديمقراطية». شخصيا أقر وأعترف بأن الإخوان يحملون فكرا فاشيا لا يتحمل المعارضة والخلاف، لأنهم يؤمنون أنهم «الجماعة الربانية» التى تقترب من الكمال. ولكن هذا موقف فكرى أتمنى أن يتفق فيه معى غالبية المصريين بعد نقاشات وحوارات موسعة، وأتطلع لهزيمة هذا الفكر الإخوانى الفاشى القديم، ولكن عبر صناديق الانتخاب.
الاختلاف العميق مع الإخوان لا يمكن أن يعنى تخلى الدولة عن مسؤوليتها الأولى فى الحفاظ على أرواح كل مواطنيها، وبغض النظر عن توجههم السياسى. هذا مبدأ لا يمكن التخلى عنه، وحتى لو كنت تعرضت شخصيا لمحاولة اغتيال على يد أنصار لجماعة الإخوان، وذلك لو أردنا بالفعل تحقيق أهداف ثورة يناير وبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة. يجب أن نعلن نتائج تحقيقات رسمية جادة فى كل حوادث القتل التى شهدناها منذ 30 يونيو، لأننا بذلك نحمى أنفسنا ودولتنا قبل أى شىء. العنف لا يولد سوى العنف، ومشاعر مخيفة مليئة بالكراهية كتلك التى عبرت عنها مروة أبو زيد.