ما من مستبد سياسي إلا و يتخذ صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقاما ذا علاقة بالله ... «عبدالرحمن الكواكبي»
مرت على مصر العصور قديما وحديثا ويهوى شعبها تأليه حاكمه الي ان انتقلوا من استبداد حاكم الي حاكم، وعاش الشعب شبه عبيد يتحكم فيهم هؤلاء الحكام في حاضرهم كما يتحكمون في مصائرهم وفي مقدرات بلادهم.
مصر الفرعونية كان الحاكم فيها «إلهاً» منذ بداية النظام الملكي، ولم تكن هذه الألوهية مجازية تشير فقط الى سلطته المطلقة ، بل هي تعبر حرفيا عن عقيدة كانت إحدى السمات التي تميزت بها مصر الفرعونية وهي عقيدة تطورت على مر السنين ، لكنها لم تفقد شيئا من قدرتها وتأثيرها .
مصر الحديثة أصبح الحاكم فيها «نصف إله» وليس بشراً عادياً، «وفور تولي أي مسؤل مسؤوليته حتى وإن كان رجلاً بسيطاً يجلس على كرسي المسؤوليه تجد مرؤوسيه أنفسهم سرعان ما يحولونه إلى كرسي فوق رجل» .. فعندما يمشي مع مرؤوسيه يتكلم هو فقط والباق يستمع ولا يمكن مقاطعته حتى وإن كان يتهكم على أحدهم كما هو الحال عندما يسير المسؤول الأكبر مع المسؤولين التابعين له يتكلم هو ويتحول هؤلاء إلى مجرد «سميعة»، وهكذا من أسفل إلى أعلى حتى تصل إلى «نصف الإله»" الجالس على عرش هذا البلد.
وهذا ما يحدث الأن مع «عبد الفتاح السيسي» الذي لا يشغل سوى منصب وزير الدفاع و«هناك من هو فوقه ومن فوق الذي هو فوقه» وتجد جميع القنوات والصحف المعارضة والحكومية منذ ٣٠ يونيو حتى يومنا هذا «تتملقه» بكل فحش يجعلك تتقيأ رغم إحترامك وتقديرك للموقف الذي إتخذه والذي كان متوقعاً فـ«السيسي لم يفعل أكثر مما فعل طنطاوي» في مثل هذا الظرف تماماً حيث قد إنحاز للشعب وليس أكثر من ذلك !
صاحب الوجه الأسمر الذي وضع على جسد أسد في أحدى الصور الشهيرة له والمكتوب أسفلها "السيسي قلب الأسد" كما يلقبة محبيه وهم كثر ممن يتغنون باسمه ليل نهار في جميع أنحاء مصر وخارجها والذي أصبح نجم نجوم مصر بين عشية 30 يونيو وضحاها في 4 يوليو.. يخاف الأن من شيئ لأنه أفرط في إستخدام كل شيئ.. وهذا ما بدا واضحاً في التسجيل الصوتي «الصحيح» مع الزميل والصديق العزيز «ياسر رزق» عندما طلب السيسي أن يتبنى المثقفون حملة تقود إلى صياغة مادة في الدستور الجديد يذكر فيها إسم السيسي في جملة قاطعة بأنه حال ترشحة لإنتخابات الرئاسة ولم يفز بها يعود إلى منصبه كوزيراً للدفاع وكأن شيئاً لم يكن.. وكأن ثورة لم تقم!
هنا بات واضحاً أن قلب الأسد يخشى من أمرين مرتبطين :
الأمر الأول.. أنه يتوقع بنسبة كبيرة أنه لن يفوز في إنتخابات الرئاسة حال ترشحة رغم أن المؤشرات الأولية تشير إلى عكس ذلك تماماً.
الأمر الثاني.. أنه لا يريد أن يترك السلطة في أي حال من الأحوال كي لا يواجه مصير من سبقوه ويصبح لقمة صائغة للجميع ومتهماً في جميع المحاكم.. ثم ينتهي الحال به متمارضاً سجيناً في إحدى المستشفيات العسكرية.
قلت له قبل ذلك وبالتحديد بعد طلبه التفويض (( ياعزيزي صاحب «الكتافات الذهبية اللامعة» .. لا يغرنك ما يفعله هؤلاء الأن معك .. فقد فعلوا هذا وأكثر مع أصحاب الكتافات السابقين في السلطة.. وعندما سقطوا واحداً تلو الأخر كانوا هم أول من سنوا عليهم سكاكين ألسنتهم ليذبحوا تاريخهم وسمعتهم وشرفهم منذ «محمد نجيب» حتى «محمد طنطاوي» .. فكما قال «كمال الشاذلي لمحمد مرسي: السياسة نجاسة» .. فكن مع الأطهار من حماة الوطن ولا تخضع لوساوس هؤلاء الشياطين حتى لا تسقط في بئرٍ سحيقٍ لن تستطيع أن تنجو منه من دون خسائر .. أنت ككتافاتك نجماً في السماء لامعاً فلا تنزل على الأرض لأنك بعد عمر طويل ستكون تحت الأرض والحساب عسير هناك، وتأكد يا «نجم الوطن الأن» .. أن بداية إطفاء نور أول حروف من سطور تاريخك المضيء هو تقديم إستقالتك وإرتداء البدلة الملكي «وإن كان هذا بناءاً على طلب معظم الشعب» لأنك بهذا ستخلف عهدك معنا حينما قلت «أنك لم ولن تفكر في أن تكون رئيساً» .. فكما تعلم أن بداية السقوط هي إنكار العهود.))
وها هو لم يستمع إلى النصيحة ويريد أن يصلح أخطاءاً بخطايا.. واعتقد خطأً أن جلوسه على المقعد الكبير سينقذه من الحساب العسير.. فمهما جلس سيترك الكرسي يوماً بعد أن تصير الأخطاء خطايا سيصعد بها الذي سيجلس في مكانه إلى المجد على أكتافه عندما يفعل به ما فعله مع من سبقه الذي يواجه الأن مصير مجهول.