جاءتنى الرسالة التالية من الأستاذ أحمد عزالدين المقيم فى برلين تعقيباً على مقالى: الفكر والإرهاب (المصرى اليوم بتاريخ 21 سبتمبر 2013 ): «(...) جذور العلاقة بين ألمانيا والإسلام السياسى ترجع إلى بدايات القرن العشرين. حيث كانت ألمانيا دولة حديثة نسبياً وكانت علاقتها بإنجلترا وفرنسا تتسم بالعداء المزمن. ولم تتمكن من تحقيق أحلامها بأن تكون قوة استعمارية عظمى. ومع بداية الحرب العالمية الأولى كانت هناك نشاطات محمومة لمجموعة من المستشرقين الألمان عكفت على صياغة الأسس (العلمية) لاستراتيجية تهدف إلى إشعال ثورات شعبية فى البلدان ذات الأغلبية المسلمة الخاضعة للاحتلال البريطانى أو الفرنسى. وجرت اتصالات مكثفة مع السلطان العثمانى الذى استساغ هذه الفكرة. ودخلت تركيا رسمياً الحرب وبعدها بأيام، فى ١١ نوفمبر ١٩١٤، أعلن السلطان العثمانى الجهاد المقدس. كانت فكرة الجهاد هذه كسلاح لتشتيت واستنزاف قوى الحلفاء المعادية قد صاغها المستشرق الألمانى (ماكس فون أوبنهايم) فى إطار خطة استراتيجية شاملة قدمها قبل بداية الحرب العالمية الأولى لقيصر ألمانيا (ڤيلهلم الثانى) الذى وافق عليها وصارت جزءاً من الاستراتيجية العامة لألمانيا فى تلك الحرب. وفى إطار هذه الخطة اتفقت ألمانيا مع تركيا على أنه عند وقوع أسرى فى يد قوات أى منهما أن يُفرَز المسلمون ويرحّلوا إلى ألمانيا. وبالقرب من برلين فى قرية (ڤونسدورف) أنشئ لهذا الغرض (معسكر الهلال) الذى أشرف عليه قسم استخبارات الشرق داخل وزارة الخارجية فى برلين. وكان الهدف هو توعية هؤلاء المسلمين وهدايتهم إلى (دينهم الحق) وجوهره طاعة أمر الجهاد الذى أصدره خليفة الإسلام فى إسطنبول. لم تكن فكرة (أوبنهايم) تجنيد هؤلاء الأسرى فى صفوف الجيش التركى بل تعليمهم أحكام الجهاد والاستشهاد فى سبيل الله ثم ترحيلهم إلى بلادهم لإشعال الثورات فيها. الجدير بالذكر أن مناهج (الهدى إلى الدين الإسلامى الحق) التى وُضعت لتدرّس فى هذا المعسكر كانت بكاملها من صنع مستشرقين ألمان كفار ولم يشارك فيها مسلم واحد. وقامت كلها على مبدأ الانتقاء والاجتزاء وتطويع النص المقدس للهدف السياسى. وقد أثار هذا النهج الألمانى فى الاستشراق استياء واشمئزاز مستشرقين خارج ألمانيا قد يكون أهمهم الهولندى (سنوك هورجرونى)Snouck Hurgronje الذى نشر نقداً لاذعاً لهم تحت عنوان (جهاد من صنع ألمانيا)Dschihad made in Germany.
وقد بذل المسؤولون الألمان جهوداً فائقة وخصصوا اعتمادات مالية ضخمة لكى يوفر (معسكر الهلال) للمسلم حياة إسلامية (خالصة لا تشوبها شائبة). فبنوا فيه مسجداً استوحى تصميمه من المسجد الأقصى فى القدس وجلبوا له إماماً ومؤذناً، وجاء افتتاح المسجد فى ١٣ يوليو ١٩١٥ الذى وافق الأول من رمضان ليكون احتفالاً مهيباً فى ظل تمثيل رفيع المستوى للدولتين الألمانية والتركية. وفى الوثائق أن نزلاء هذا المعسكر بلغ عددهم خلال سنوات الحرب حوالى ٤٠٠٠ معظمهم من أواسط آسيا وشمال أفريقيا، أعلن منهم ٨٠٠ استعدادهم للجهاد. ولكن الغريب أن أخبار هذا المعسكر قد توارت شيئاً فشيئاً ثم اختفت تماماً. وانتهت الحرب ولم يرد فى أى جريدة أو وثيقة أى خبر عن مصيره أو مصير آلاف الأسرى الذين كان يؤويهم. وعُرف فيما بعد أن المسجد تم هدمه عام ١٩٢٤.
كان هذا حسب علمى أول معسكر جهادى فى العصر الحديث. وإن كانت أخباره قد انقطعت فجأة إلا أن ما تبقى هو النظريات (العلمية) التى أفرزها الاستشراق الألمانى فى ذلك الحين لتكون أساساً عقائدياً وبرنامجاً عملياً له (...) وإنى لأزعم أن النهج الكلاسيكى (الذى يلتزم بثوابت النص ولا يعنيه حراك التراث) الذى سيطر على الاستشراق الألمانى فى بداية القرن العشرين لا يزال يسيطر على مفاهيم الاستشراق وعلى قطاعات واسعة من الرأى العام الألمانى حتى الآن». إلى هنا انتهت رسالة الأستاذ أحمد عزالدين.
وبمناسبة حقوق المرأة المثارة حالياً فى الدستور الجديد، تجدر الإشارة إلى بحث مهم قامت به الدكتورة أميرة سنبل، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة واشنطن، بيّنت فيه أن «بيت الطاعة» كان مستخدماً فى العصر الفيكتورى فى بريطانيا وقد سُرّب لمصر أثناء الاحتلال الإنجليزى ليكرس لـ«حق» الرجل فى انتهاك حقوق المرأة، وليُنسب غيلة لـ«شرع الله».