لا أعرف على وجه التحديد، أين هو الآن «مشروع قانون الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات السلمية فى الأماكن العامة» الذى أقره مجلس الوزراء أخيراً، وقالت بعض الصحف إنه أحاله إلى رئاسة الجمهورية التى تتردد فى إصداره، حتى لا تتزايد احتمالات حدوث صدام مبكر بينها وبين القوى الثورية التى تعارض المشروع.. بينما قالت صحف أخرى إن الحكومة أحالته إلى قسم التشريع فى مجلس الدولة، لكى يراجع صياغته القانونية خلال هذا الأسبوع، ثم يعيده إلى مجلس الوزراء، لكى يعدله طبقا لملاحظات مجلس الدولة عليه، ويقره ويرفعه إلى رئيس الجمهورية لكى يصدر به قراراً بقانون.
لكن المؤكد أن مجلس الوزراء ما كان ليوافق على مشروع القانون، ويرسله إلى من أرسله إليه، حتى تتالت الاعتراضات من بعض الأحزاب والتيارات السياسية.
ولا أعرف هل ما صدر باسم هذه الأحزاب والحركات من آراء فى مشروع القانون خاصة، ما اتخذ منها شكل «تغريدات» نشرت بتوقيع أحد قادتها أو نشطائها، أو تصريحات أدلى بها للصحف، تعبر عن رأى الهيئات القيادية لهذه الأحزاب صدر بعد دراسة له قام بها قانونيون من المنتمين إليها، أم أن هذه التويتات والتصريحات هى آراء لأصحابها أدلوا بها عفو الخاطر، على طريقة «الكلام الثورى ما عليهش جمرك»، وهو الأرجح، إذ لم تحدد معظم هذه الآراء على وجه التحديد مناط الاعتراض على مواد مشروع القانون، واكتفت بأحكام عامة.
وفى هذا السياق يمكن تصنيف اتجاهات الرأى التى عبرت عن رفض أو معارضة أو تحفظ على كل أو بعض مواد القانون فى ثلاثة اتجاهات:
■ اتجاه ذهب أصحابه إلى أنه لا ضرورة من الأصل لقانون تنظيم حق التظاهر، لأنه حق اكتسبه المصريون فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، لا يجوز المساس به أو حتى تنظيمه.
■ اتجاه يذهب أصحابه إلى أن الظرف السياسى الراهن ليس ملائماً لصدور القانون، لأن الثورة لاتزال قائمة ومستمرة، والتظاهر هو أداتها الرئيسية لتحقيق أهدافها.
■ اتجاه قبل أصحابه من حيث المبدأ بالقانون، ولكن لديهم اعتراض على بعض مواده، خاصة النص الذى ورد فيه ويقضى بـ«حظر الاعتصام أو المبيت فى أماكن المظاهرة أو تجاوز المواعيد المقررة للتظاهر».
وما يفوت على هؤلاء هو أن حق الاجتماع - أو التظاهر السلمى - هو أحد الحقوق التى كفلتها كل الدساتير المصرية منذ دستور 1923، وأباحت تنظيمها بالقانون، وبالتالى فإن وجود قانون لتنظيم ممارسة هذا الحق، هو استحقاق دستورى لا يجوز إغفاله، وعلى عكس ما يذهب هؤلاء فإن الظرف السياسى الراهن هو الأكثر ملاءمة لصدور هذا القانون من أى ظرف آخر منذ بدأت المطالبة بإصداره فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011 مباشرة، لوقف الخلط الذى شاع - ولايزال - بين التظاهر السلمى كحق دستورى وديمقراطى تكفله مواثيق حقوق الإنسان، وبين عمليات العنف والتخريب والعدوان على حقوق الآخرين التى تقوم بها عناصر إجرامية أو معادية للثورة، إلى عناصر فاشية تتقنع بالحقوق الديمقراطية ومنها حق التظاهر السلمى لكى تمارس الإرهاب وتعتدى على حقوق الآخرين، بحكم أن السلطة الانتقالية الحالية هى سلطة غير حزبية ومؤقتة، ليست لها مصلحة مباشرة كالتى كانت لدى أغلبية مجلس الشورى المنحل، التى ناقشت مشروع قانون لهذا الغرض منذ أقل من عام، فى أن تتعدى تنظيم ممارسة الحق إلى إهداره.
والحقيقة أن الذين يعارضون مشروع القانون يظلمون الذين أعدوه حين ينسبون إليه أنه يعاقب الذين يخالفونه بالسجن وغرامة تتراوح بين 100 و200 ألف جنيه، فى حين أن هذه العقوبة مقصورة على الذين يستأجرون المتظاهرين مقابل مال، فى حين أن مخالفة بقية نصوص القانون تقتصر على الحبس «أى من 24 ساعة إلى 3 سنوات»، والغرامة من 50 إلى 100 ألف جنيه، تنخفض إلى الغرامة فقط بين ألف وخمسة آلاف جنيه لكل من نظم مظاهرة أو موكباً دون إخطار مسبق.
ولعل أهم النقاط التى أثارت هذه الضجة حول مشروع القانون هى النص الذى يقضى بحظر الاعتصام، وهو نص يحتاج إلى مراجعة فى ضوء التجارب التى مرت بها البلاد.
أما المهم، فهو ألا يتحول الخلاف حول مشروع قانون تنظيم الحق فى التظاهر السلمى إلى مبارزة بين القوى السياسية، وخاصة المدنية منها، وبين الحكومة، تتعالى فيها نداءات التحريض على الفوضى، ويستغلها الإرهابيون والذين فى نفوسهم مرض لضرب الجميع، بل ينبغى أن تظل فى إطار حوار سلمى.. يجرى بين ممثلين للحقوق وقانونيين ديمقراطيين ينتمون إلى الأحزاب والتيارات الرئيسية، يسعى لحصر نقاط الخلاف والتوصل إلى صياغات ترضى كل الأطراف!