وبعد أن أنهى جهيمان دراسته الجامعية فى مكة المكرمة ذهب إلى جامعة المدينة المنورة، حيث التقى بالشيخ عبد العزيز بن باز فتتلمذ على يديه وقرّبه بن باز منه وأولاه بالرعاية وفى تلك الأثناء تعرف بـ«محمد بن عبد الله القحطانى» وقد توثقت العلاقة بينهما واقتربا كثيرا من الشيخ عبد العزيز بن باز وقد تلاقت أفكارهما فى تفكير الحاكم والدولة.. وعملا على الدعوة للانعزال عن المجتمع.. وإنكار كل منتجات العصر الحديث. من راديو وتلفاز وموسيقى والغناء.. نفس أفكار محمد بن عبد الوهاب. وعندما عيّن الشيخ بن باز مفتيا للسعودية.. اتجه إلى الرياض وترك بيته فى المدينة المنورة، لجيمهان ومن معه من أجل الدعوة، ومن ثمة انطلق إلى مساجد المدينة يدعو لأفكاره فالتف حوله كثير من الرجال والشباب وبدأت أفكاره الوهابية المتشددة فى الانتشار وتوافد عليه الكثيرون وقد تركته المملكة يعبث فى عقول الناس.. ما دام بعيدا عن السياسة فتركته يفعل ما يحب ويرغب.. لكن ما قام به هذا الوهابى ما كان يقدر أن يقوم به أى سياسى على وجه الأرض فى العصر الحديث. دعونا نرَ ماذا فعل.. ففى العشرين من نوفمبر عام 1979 الموافق غرة محرم لعام 1400 يتحرك جهيمان فى صمت وتهجم وبجواره صحبه. الذين يحملوا خمسة توابيت.. يتجه هو ورفاقه والتوابيت صوب المسجد الحرام.. المؤذن يؤذن فى الناس لصلاة الفجر.. يدخلون المسجد الحرام.. وجهيمان ورفيقة محمد بن عبد الله القحطانى.. الذى يرى فى نفسه مجدد الدين فى العصر الحديث.. الذى يأتى على رأس كل مئة سنة.. يتحرك صوب المسجد الحرام، واسمه المقرون باسم الرسول العظيم.. محمد بن عبد الله.. وما إن يستقر الشباب داخل المسجد الحرام حتى يضعوا أحمالهم الثقيلة والتى ما هى إلا نعوش أحضروها ليصلوا عليها صلاة الفجر.. وما هى إلا لحظات حتى وثبوا على النعوش كما الذئب الذى يَثِبُ على فريسته ليدفعوا عنها أغطيتها فإذا هذا نعوش ممتلئة بالأسلحة، رشاشات وقنابل يدوية.
يقومون بتوزيعها فى ما بينهم وفى لمح البصر يقومون بإغلاق أبواب المسجد الحرام من الداخل على من فيه من المصلين والطائفيين والذين كانوا يقدرون بنحو 3000 مصلٍّ وطائف. وقد استفاد جهيمان من عمله السابق بالحرس الوطنى فقد طلب منهم التمركز على أسوار الحرم ومئذنة المسجد والاستعداد لمواجهة طويلة.. وبعد أن اطمأن على جنوده كلٌّ فى موقعه وكل واحد سوف ينفذ التعليمات.. الصادرة إليه مهما حدث.. اتجه إلى صهره (محمد بن عبد الله القحطانى والذى يرى فى نفسه المهدى المنتظر وأخذ جهيمان يذيع خطبة من ميكروفونات الحرم يسمعها من فى الداخل والخارج. حرض الناس على الثورة على آل سعود الذين نعتهم بالخروج عن الإسلام، ومن ثمة وجبت محاربتهم).
أتوقف إلى هنا.. لكى أوضح مدى خطورة الأفكار التى تذرع فى عقول شباب بلا عقول بالضبط مثل الشباب الذى قام بما حدث فى 11 سبتمبر سنة 2001، إذن ما يحدث فى مصر من غسيل عقول الشباب.. مادام بعيدا عن السياسة، فسوف ينفجر فى وجهنا عما قريب.. فنحن نمر بمرحلة لا معنى ولا جدوى ولا قيمة لما نفعله.. فكل شىء يأتى بنتيجة موجبة، وكل شىء نقوم به يأتى بنتيجة عكسية.
فنحن أمة مثل السائق الذى لا يكف عن النظر فى المرآة من خلفه وعندما لا يجد أحدا خلفه فإنه يستريح بعد أن يأخذ نفسا عميقا وهو سعيد بأنه لا يوجد أحد خلفه، مع أن الواقع والحقيقة يؤكدان لنا أنه لا يوجد أحد خلفه أو أمامه، لأن الكل نظر بعد أن وجّه بصره وفكره وحياته كلها إلى الأمام فرحل الكل إلى الأمام وبقينا نحن ننظر إلى الخلف، حيث التراث الذى ألّفه وكتبه الأقدمون وفرض عينا أن نعيش ونتحرك بفكر وفهم الأقدمين للحياة وللدين وأصبح لدينا التراث أهم ما فى الدين من الأصول، والأصول هى كتاب الله وسنة رسوله.
فالعكوف على التراث كلف الأمة الكثير من حياتها ومستقبلها ويكون التساؤل هو: ما الحكمة فى تقدم تركيا وماليزيا وبعض الدول الإسلامية، وبقائنا نحن نجر أذيال التخلف الحياتى والتخلف العلمى؟!
حسين عبد العزيز