قليلة بل قل شحيحة هى تلك الأفلام التى نتنسم فيها عبير السينما، صرنا فى الحقيقة نتحرق شوقا للعثور على هذا الصنف النادر أو فى الحقيقة المنقرض المعروف بالفن السابع. أغلب أفلامنا أقسمت أغلظ الأيمان على أن بينها والسينما طلقة بائنة لا رجعة فيها، وبين كل ذلك يبزغ فيلم مثلما تبرق قطعة ذهب فى كوم من القش، وإن كان هذا لم يمنع أن تعلق به أيضا بقايا القش، إنه «هاتولى راجل». للوهلة الأولى قد تتصور ولك كل الحق أننا بصدد فيلم ساخر يحاكم زمن الإخوان، فتلك المقولة مرتبطة بمحمود شعبان، واحد من الذين أفرزتهم القنوات الدينية، إلا أن الحقيقة هى أن الاسم ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالإخوان ولا مرسى، فقط هو يستغل تلك الجملة التى صارت مثلا ونكتة ليتناول من خلالها فكرته الخيالية، حيث إنه وعلى طريقة أغنية حكيم «افرض مثلا.. مثلا يعنى»، والفرض هو تناقص وشحّ فى المواليد الذكور ووفرة فى إنتاج الإناث، ويجبر هذا التناقض المجتمع على إجراء تغييرات فى نظامه الاجتماعى، حيث إن المرأة تتولى هى القيادة والسلطة ونجد وزارة الداخلية كلها من النساء، بينما الرجال يتحولون إلى سلعة نادرة تتخاطفهم النساء، وقسط وافر منهم يعملون بالدعارة، ويقفون على الأرصفة فى انتظار من يدفع الثمن من النساء ويحصل على البضاعة.
البداية من خلال الطبيب عزت أبو عوف الذى يلتقى بالشباب الثلاثة أبطال الفيلم أحمد الفيشاوى وشريف رمزى وكريم فهمى، وكل منهم يروى له حكايته وتتشابك وتتشابه القصص فى خيط واحد، وهو أن هناك من يريد استغلالهم من النساء، ونرى الأطراف المتناقضة كريم فهمى يتزوج من إيمى سمير غانم، وهو كما يبدو رجل بكر بلا تجارب نسائية، بينما إيمى هى صاحبة الخبرة فى هذا الشأن، أحمد الفيشاوى يهرب من النساء خوفا على نفسه وحفاظا على بكارته. يقف على الجانب الآخر شريف رمزى الذى يعمل بالدعارة ويقدم نفسه بمقابل للنساء. الوجه الجديد ميريت ضابطة الشرطة هى التى تسعى للاستحواذ عليه، الحقيقة أن الخيال الفنى الذى قدمه الكاتب والممثل أيضا كريم فهمى لم يستطع أن يتجاوز تلك الدائرة، كما أنه قدم أكثر من تنويعة على عدد من الأفلام مثل مشهد اغتصاب سعاد حسنى الشهير فى فيلم «الكرنك»، وأحاله إلى اغتصاب عكسى يتعرض له شريف، أو مشهد فيلم «أفريكانو» الذى يثبت فيه أحمد السقا حبه لمنى زكى فيلقى بنفسه فى شلال مائى، نجد أن ميريت هى التى تحاول أن تثبت حبها لشريف.
الحكايات الثلاث تنتقل بسلاسة عن طريق مونتاج وائل فرج ومخرج فى أول تجربة له محمد شاكر وتصوير نزار شاكر، كانت هناك لمحات لا يمكن إغفالها وقدرة من المخرج على أن يحصل من نجومه على منطقة لمعان خاصة فى الأداء، ورأينا هذا مع كل من أحمد الفيشاوى وشريف رمزى، والحقيقة أن شريف للمرة الثانية يفاجئنى، الأولى كانت فى مسلسل «العراف» قبل ذلك كان مجرد ممثل يشارك فى أعمال فنية متكئا على نفوذ والده المنتج والموزع الكبير، أيضا الوجه الجديد ميريت بأداء جاد فجرت الضحكات، ويسرا اللوزى وإيمى سمير غانم أدتا الدور بتلقائية وبساطة.
تلك لمحات اللمعان أما الانطفاء فلقد شعرنا به بعد أن أفرغت الشحنة تماما فى نصفه الأول، وهكذا بدأ الثانى يعانى من فقر الفكر وتناقص الضحك، فليس لدى الكاتب ما يضيفه.
نعم هذه المرة كانت هناك سينما، صحيح التجربة لم تكتمل، لأن الكاتب قيد نفسه فى خط درامى واحد، كما أنه لعب دورا رئيسيا فى الفيلم وكان بحاجة إلى تدريبات أكثر على فن الأداء. المخرج محمد شاكر خضير بداية جيدة إلا أن «الفانتازيا» تحتاج إلى تداخل عناصر عديدة فى الإضاءة والموسيقى والمؤثرات وتكوين الكادر وهذا ما افتقدته.
على التترات والأفيش تلمح اسم سارة عبد المنعم إشراف عام، وهى وظيفة غامضة فإذا كانت هى مشرفة على التأليف فلماذا لا تكتب اسمها مؤلفة، وإذا كانت مشرفة على الإخراج فلماذا لا يكتب اسمها مخرجة؟
بين كل أفلام العيد رصدنا بارقة أمل، الجعان يحلم بسوق العيش وفى قول آخر برائحة السينما!!