ماذا تفعل القوى الديمقراطية الناشئة أمام البناء الراسخ للبيروقراطية المصرية من ناحية أو أمام الكيان المتشعب المتمثل فى الأصولية الدينية من ناحية أخرى؟ صراع مرير، من كل بدّ، على الجانبين ﻷنه ضد عقول اعتادت ما تقوم به وتسير عليه حياتها، ليس هذا فحسب، لكنه على الجانبين صراع ضد التاريخ نفسه بكل الأسباب والحيثيات التى أدت الى إحداثه ثم ضد أغلب حوادثه التى أدت بنا إلى ما نحن فيه من فقر الفكر وانعدام الابتكار بتفعيل الانقياد بفعل البيروقراطية، أو التلقين بفعل الأصولية، مما يجعل لتيارالحرية والديمقراطية مجالاً ضيقاً للتواجد والعمل ﻷنه حتى يتم ذلك وجب عليه القتال من أجل الوجود أوﻻً ثم القتال فى العمل إذا نجح فى خلق مجال ضيق له فى أحسن الأحوال.
ولذا وجب علينا خلق تيار جديد لحرية فكرية مستساغة ومفهومة بشخوص جدد واستحداث من طاله الصدأ على الساحة أو تغيير بوصلة البعض لخلق تيار من المفكرين والقانونيين والساسة ذوى المصداقية والتأثير الشعبى، ولن يكون هذا إﻻ بوجود بعض النماذج غير المحسوبة على تيار أو نظام، ثم عمل نواة ينشأ على أساسها التيار مدعوماً بحشد جماهيرى وتنسيق إعلامى يسوق لهذا التيار بشكل علمى ومنظم على أصعدة المدى القصير أوﻻً ثم المديين المتوسط والبعيد، وما يجب أن ينتهى بنا الخط إلا وأنصار هذا التيار هم الغالبون حاملين على أكتافهم قيادة المرحلة بأفكارهم وأصواتهم وظهيرهم الشعبى.
ولقيادة المرحلة وجب أيضا فك الخلط بين الهوية المصرية والهوية الدينية التى تتعدى الحدود مما يجعل البعض يعتقد أنهم بهذه الفكرة يمكنهم حكم الدول الأخرى بينما لم يخطرببال مروجى هذا المنطق أنه يتيح للآخرين ممن لديهم نفس الأفكار احتلالنا أيضا، بل لم يسأل الكثير من الذين يروجون ﻷستاذية العالم أنفسهم أبداً: أى الاحتلالين أفضل إن حدث، السعودى أم التركى مع أن الاثنين مسلمان؟!
وهنا على القائد أن يوضح أن القومية تحتوى الدين وليس العكس؛ فالحربان العالميتان كانتا بين أبناء الدين الواحد فى غالبيتهم وحروب فولك ﻻند كذلك، بل إن التفرقة العنصرية فى أمريكا وجنوب أفريقيا لم يشفع لها الدين حينئذ، كما لم يشفع الدين فى حرب العراق ضد الكويت أو مذابح العراقيين واﻷتراك ضد اﻷكراد، ولذا علينا أن نبيّن للناس معنى القومية المصرية وثقافتها من ناحية وعدم تعارضها مع الدين من ناحية أخرى، لأن الفصائل الداعية لغير ذلك تفكر بنمط التفكير الدينى وهو نمط يقينى ﻻ شك فيه ويتساوى فى طرقه المسائل الدينية والسياسية والاقتصادية على حد سواء.
إن خلق هذا التيار الفكرى الجديد ليس فقط للوقوف أمام نمط التفكير الثيوقراطى واعتباره التيارالرجعى الوحيد، لكن لتغيير كل أنماط قوالب التفكير الجامدة ومنها البيروقراطية المصرية الراسخة والقائمون عليها لأنه بعد ثورة الشعب أصبح يدرك من كل بد أنه من الصعب بمكان أن تكون قوى الثورة جزءاً من تحالف مع أحد هذين الطرفين، ولكن المؤكد أن الطرفين مع خلافهما العميق يمكنهما التحالف ضد قوى التقدم والحرية والديمقراطية إذا ما شعرا أن شبكات مصالحهما يهددها التقدم أو أن مناطق نفوذهما تخترقها الديمقراطية أو أن الحرية ستقضى على ما لهما من تأثير لدى البسطاء والأميين والفقراء.