إننى أكتب عمن أعرفهم سواء أكانوا فى القصور أم فى السجون، فى الداخل أو فى الخارج، فى أحسن الأحوال أو أسوأ الظروف، ولكن القاسم المشترك بين كل ما أكتب عنهم هو البعد الإنسانى الذى يجمعنى بهؤلاء البشر.
ولقد كنت أفكر منذ أسابيع فى الكتابة عن هذه الشخصية التى قذفت بها الأقدار إلى أتون الصراع السياسى فى المشهد المصرى الراهن ولكن سبقنى فى فضل الكتابة عنه أستاذان هما المستشار الكبير «محمود الخضيرى» وصديقى «د. حسن نافعة». إن «محمد رفاعة الطهطاوى» واحدٌ من أبناء الدبلوماسية المصرية المرموقين، خدم فى بعثات مختلفة بالخارج حتى عمل سفيرًا لبلاده فى «إيران» و«ليبيا» ولم نعرف عنه يومًا أنه كان عضوًا بجماعة «الإخوان المسلمين»، ربما كان متدينًا بحكم النشأة والأصول العائلية، فجده لأبيه هو إمام التنوير فى مصر الحديثة الشيخ «رفاعة الطهطاوى» الذى أوفده «محمد على» مقيمًا للشعائر مع إحدى بعثاته إلى «باريس» فعاد ذلك الأزهرى المتوهج لكى يحمل شعلة الضياء والاستنارة فى أعماق القرن التاسع عشر، أما أسرة والدته فهى من «بيت عزام» العريق، إذ إن جدَّيه هما «عبدالوهاب باشا عزام» الوزير قبل الثورة وأخوه «عبدالرحمن عزام»، أول أمين عام لجامعة الدول العربية، وهى عائلة تنتمى إلى ريف محافظة «الجيزة» وترتبط بصلات وثيقة وصلت إلى حد المصاهرة مع أسرة العرش السعودى، فقد جمع الرجل المجد من أطرافه مجد «الطهطاوية» وعراقة «العزامية»!
وهو يجيد الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، عمل فى ديوان وزارة الخارجية فى المكاتب الرئاسية المرموقة، وقد كان مرشحًا لأن يكون نائبًا لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية بعد أن اعتكف فى ميدان التحرير الثمانية عشر يومًا المجيدة لثورة 25 يناير مستقيلاً من منصبه كمستشارٍ لشيخ الأزهر حتى لا يُحمِّل تلك المؤسسة الدينية العريقة مواقفه السياسية الجديدة، وقد تردد اسمه أكثر من مرة مرشحًا لمنصب وزير الخارجية إلى أن انخرط فى الحملة الانتخابية للرئيس السابق «د. محمد مرسى».
وأعلن ذلك بوضوح وشفافية، حتى إنه أبلغ السيد «عمرو موسى» بذلك الموقف من بداية السباق الانتخابى على الرغم من أنه كان قد عمل معه فى وزارة الخارجية من قبل، وأظن أن اختياره كان مبنيًا على مسحة تدين موروثة وليس انتماءً تنظيميًا أصيلاً، وقد جرفته المقادير مرة أخرى لكى يكون رئيسًا لديوان «د.مرسى» رئيس الجمهورية، ومع ذلك تواصلت بينى وبينه من حين لآخر اتصالات متقطعة بحكم صداقتنا الطويلة خصوصًا أننى زرته فى «طهران» عام 2001 لحضور مؤتمر برلمانى دولى لنصرة الشعب الفلسطينى، كما تعززت صلتى به أكثر عندما كان مديرًا لـ«معهد الدراسات الدبلوماسية»، حيث كان يدعونى لإلقاء بعض المحاضرات على الدبلوماسيين الجدد، وكان يقوم بتقديمى بسخاء وكرم زائدين. وإنى إذ أكتب عنه اليوم فإننى أكتب عن زميل وصديق وهو فى محبسه دون أى تدخل فى موقفه القانونى، فأمره لله وللقضاء المصرى المعروف بعدالته ونزاهته، ولكننى أظن أن الرجل لم يختر طريقه ولكن الأقدار تحكمت إلى حد كبير فى مسيرة حياته خلال السنوات الأخيرة.
ورغم أننى أختلف معه فى الفكر والرؤية إلا أننى أشعر بالأسى العميق حين أراه مقيد الحرية، فتاريخه الدبلوماسى وخلقه الدمث وشخصيته الهادئة ما كان يجب أن تصل به إلى ماهو فيه! إننى أضم صوتى لكل أصدقائه وزملائه فى الدعاء له بأن يجعل الله له مخرجًا فى ظل العدل والحق والقانون، وسوف يبقى فى كل الأحوال صديقًا عزيزًا على المستوى الإنسانى، قريبًا من كل عارفيه ومن تعاملوا معه عبر السنين!