ايجى ميديا

الخميس , 26 ديسمبر 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

الأوبرا.. 25 عامًا فِضِّيًّا

-  
نشر: 16/10/2013 2:28 ص – تحديث 16/10/2013 9:48 ص

من «ريجيلتو المهرج» إلى «عايدة الأسيرة»، ومن «كارمن الغجرية» إلى «سبارتاكوس محرر العبيد»، من «سى كامل الخلعى» إلى أصوات شباب الموسيقى العربية، يواصل العازفون اللعب على الأوتار وتصدح الحناجر فى فضاء الأوبرا حتى يحين موعد عيدها الفضّى، فى هذه الليلة كان يجب أن أتذكر يوسف إدريس وأنا أتابع الاحتفال المبهر الذى أعدّته دار الأوبرا بهذه المناسبة، فى ذلك اليوم من نهاية الثمانينيات مع اقتراب افتتاح الأوبرا، كان سعيدا بهذه المناسبة ويدعو الجميع للكتابة حولها، وكانت مصر كعادتها تعانى من أزمات طاحنة، أغذية منتهية الصلاحية وأسمدة مسرطَنة وسياسات أكثر فسادا، قلنا له: كيف نترك كل قضايا الفساد هذه ونكتب عن عودة الأوبرا؟ وردّ علينا: وماذا ستقول عنا الأجيال القادمة حين ترى أن كل همَّنا هو البحث عن ملء بطوننا؟ لا بد من نقطة مضيئة نذكرها لمن بعدنا، أن نتسامى جميعا عن هذا السواد، وكان محقًّا، أزمات مصر لم تنتهِ، ولكن الأوبرا ظلت نقطة مضيئة تشعّ بالفن والموسيقى على مدى ربع قرن.

لم أدخل مبنى الأوبرا القديمة إلا من خلال أفلام الأبيض والأسود، قليلا ونادرا، ولكنى حزنت مع الكثيرين عندما التهمها حريق هائل، وحزنت أكثر عندما تحول موقعها فى قلب مصر الخديوية إلى جراج للسيارات، انقضى جزء مهمّ من التاريخ من ذاكرة الفن المصرى، وكان رحيل الأوبرا إيذانًا بوقوع قلب القاهرة فى قبضة العشوائية والفوضى، انسحب الضوء، ومرت سبعة عشر عاما كاملة قبل أن تعاود الأوبرا الظهور من جديد، حاولت الدولة أن ترمم بعض مسارحها القديمة لتحل بدلا منها، ولكن الأمر لم ينجح، ودخلت مصر فى عزلة عميقة عن الفنون العالمية، وقررت اليابان أخيرا أن تكون هذه منحتها لمصر، وهذا أفضل ما قدِّم لها من مِنح وأعظم ما تلقته من هدايا، ظهر ضوء فى نهاية النفق يكشف عن كل ما هو رفيع فى الفن، وقبل أن تفتح الأوبرا أبوابها بدأت وفود المصريين فى زيارة المبنى، وأصرت الدكتورة رتيبة الحفنى المديرة الأولى للأوبرا فى ثوبها الجديد أن يخلع الجميع أحذيتهم قبل الدخول، طقس أشبه بدخول المساجد، وكان الأمر محرجا لواحد من كبار الشعراء الذين يرافقوننا، كان وحيدا دون زوجة، وجوربه الممزق مخفيًّا داخل الحذاء، وهمس لنا على جنب بمشكلته، فخلعنا جميعا جواربنا وطُفْنا حفاةً فوق السجاد الأحمر، ولكن اليابان بعدما تم بناء المبنى رفضت أن تطلق عليه لقب «الأوبرا»، وأصرَّت على لقب «المركز التعليمى الثقافى»، وقيل وقتها إن هذا يأتى مراعاة للدستور اليابانى الذى لا يسمح بالمِنح إلا فى مجال خدمات التعليم، وقالت بعض التشنيعات إن اسم أوبرا باليابانية تعنى كلمة قبيحة، ولكنى لم أعرف السبب الحقيقى إلا من خلال الخطاب الذى ألقاه السفير اليابانى توشيرو سوزوكى فى افتتاح الحفل الفِضِّى، فقد كان دبلوماسيا صغيرا فى سفارة القاهرة عندما بدأ التخطيط لإقامة المشروع، وكانت المشكلة وقتها هو كيف يمكن أن تقوم اليابان بإنشاء «أوبرا» فى مصر بينما لا تملك هى واحدة خاصة بها، لا يوجد بها إلا مجموعة من المسارح المتفرقة التى لا تصلح لاستقدام الفرق العالمية، وكانت هذه العقبة الرئيسية التى أخَّرت تسمية الأوبرا، ولكن لم يكن أحد قادرا على مقاومة رغبة المصريين فى استعادة «الأوبرا» التى فقدوها، ومن هذه اللحظة وقد احتل هذا المبنى الراقد فى مقدمة أرض الجزيرة تحت الذراع الممتدة لتمثال الزعيم سعد زغلول مكانة مهمة فى وجدان عشاق الفن والموسيقى، وأصبحت موطنا للمواهب الشابة والبراعم الصغيرة فى مجال العزف والرقص والغناء، وحافظت على رسالتها رغم الأزمة الاقتصادية الدائمة وشحّ الإمكانيات.

حاولت الأوبرا أن تنأى بنفسها عن مستنقع السياسة، ولكنها فى الآونة الأخيرة، ورغما عنها، وجدت نفسها فى خضمها، فهى البيت الوحيد الذى بقىَ مضاءً وسط عتمة الفوضى والدماء، قاومت شلل الحياة الفنية طوال أيام الثورة وما أعقبها من اضطرابات، وتصدت بالفن لمناخ العبث والإرهاب الذى ساد الحياة، ويعود الفضل فى ذلك للجهد الدؤوب الذى بذلته مديرتها الفنانة إيناس عبد الدايم، فقد أصرت على أن تحافظ على روح الفن المصرى حتى لا يصيبه جفاف الركود، وقد جعلها هذا هدفا لقوى الإظلام التى أحكمت قبضتها على ناصية الحكم فى البلاد، أرادوا أن يطفئوا هذا البيت الذى ظل مضاءً فقط ليشبعوا رغبتهم المريضة فى كراهية الفن والثقافة، وشرعوا فى ذلك عندما عيَّنوا وزيرا حاقدا، لا إنجاز له، كانت أولوياته فقط إقصاء كل الطاقات الفعالة فى حقل الثقافة، وكان خطؤه وربما خطأ النظام بأكمله هو الإطاحة بمديرة الأوبرا من منصبها، لأن هذه كانت الشرارة التى أطلقت قوى الغضب والاعتراض فى الثقافة المصرية، فقد تكاثف هذا القرار المستفز مع استفزازات أخرى فى ردة فعل المثقفين المصريين وهبّوا يرفضون الوزير الدخيل، ويرفضون وصاية حكومة الإخوان على ثقافتهم، وتطور الأمر إلى رفض النظام بأكمله، احتلوا مبنى وزارة الثقافة ومنعوا الوزير من دخولها، وكان هذا الحدث مقدمة للثورة التى عمَّت كل مدن مصر بعد ذلك، فقد قدَّم المثقفون نموذجا للرفض وكيفية المقاومة، وواجه المصريون فى الأقاليم كل المحافظين الذين حاول الإخوان فرضهم عليهم، ومنعوهم من دخول مقراتهم، كما تم منع الوزير الدخيل من قبل، وتشابكت كل الشرارات القادمة من المدن المصرية لتشتعل الثورة للمرة الثانية وتطيح بحكومة الإخوان دون رجعة.

كان حفل الأوبرا بعيدها الفضى هو احتفال النجاة من التصفية والإغلاق، ومناسبة مواتية لتكشف الأوبرا عن كنوز المواهب المصرية الموجودة بها، وقدم الحفل نماذج مختارة من الأعمال الأوبرالية العالمية مع مزيج من رقصات مستوحاة من سحر الشرق ولمسة من الغناء العربى، كل ذلك فى عمل فنى هو «سفينة النور»، عرضٌ تمنَّى الحضور أن لا ينتهى، شارك فيه عازفون ومغنُّون وراقصون من سبع فرق من أصل ثلاث عشرة فرقها تضمها الأوبرا، وهو عدد ضخم من الفرق، ويحتوى على طاقات فنية وشبابية هائلة ازدحم بها المسرح، وعليهم أن ينطلقوا جميعا إلى فضاء الفن المصرى، فالمسرح يخلو من المسرحيات الاستعراضية، وأفلام السينما الغنائية فقيرة إلى حد الكفاف، وبرامج التليفزيون تخلو من لمسة الفن، على هذه الفرق الكثيرة أن تثبت أنها تليق بحجم مصر، وأن تشع فنونها فى كل مكان بها، لقد كانت أجمل ليالى سكان الزمالك حين خرجت فرق الأوبرا إلى الشارع أمام مبنى وزارة الثقافة، فرقصت وغنَّت وأمتعت الجماهير التى التفَّت حولها، نريد من هذه الفرق أن تكمل رحلتها وتهبط إلى أقاليم مصر الجائعة للخبز والفن والحرية، وهى مهمة أخرى منوطة بسيدة الأوبرا إيناس عبد الدايم، أن تجعل الأوبرا متعة للمصريين جميعا.

تهنئة لهذا الصرح الجميل وليبقى مضيئا ليحفظ الفن الجميل فى روح مصر.

التعليقات